عمرو بن العاص زار مصر قبل الفتح اكثر من مرة .
شعب مصر ليس هو الشعب الذى يتحول عن دينه بالقوة ... ما الدليل ؟؟!!
لقاء عمرو مع شماس مصر الذى انقذ حياته مرتين والشماس يرد الجميل.
حقيقة مسئوليته عن الفتنة زمن علىّ ومعاوية.
اصدقائى الاعزاء تعالوا نعيش سويا مع القائد العربى الاسلامى عمرو بن العاص ؛ من خلال سيدة الكلمة وملكة القلم
الاديبة الاستاذه ( سناء البيسى)
قصة عمرو بن العاص فى مصر
حمامة الأيك هجرت أيكها وطارت إلي معسكر الفارس المغوار الذي حمل الإسلام في ركابه إلي أرجاء المعمورة لتحط فوق خيمته بعد فتح حصن بابليون قبل انطلاق جيوشه لاستكمال مسيرة النور.
لتصل إلي بلاد الصين والروس وقلب أوروبا ومجاهل أفريقيا.. تحط الحمامة تبني عشها وتضع بيضها وتلقم أفراخها بخيرات منقارها, ويأمر ابن العاص جنوده بجمع كل الخيام إلا خيمته كي لا تروع ذات الجناحين التي وجدت في حماه أمانها وأمن أفراخها, وكيف لا وهو من قال عنه الرسول صلي الله عليه وسلم: أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص, وتلتف المدينة الناشئة كالسوار حول المعصم من حول الخيمة المختارة ليغدو اسمها الفسطاط ومعناه الخيمة الكبري التي تشهد علي مدي ما قدمه الإسلام للعرب من حضارة ورقي إنساني.. ويشهد شاهد من أهلها.. أهل الفسطاط وبابليون والروضة والإسكندرية وأهل مصر بكذب الأقاويل حول انتشار الإسلام بالقهر, فهذا الشعب المصري ليس بالذي يتحول عن دينه ولغته بسبب قهر يتعرض له, فقد ظلت الإمبراطورية الرومانية بكل عنفوانها علي مدي ثلاثة قرون من الاضطهاد لم تستطع فيها أن تعيد المصريين للوثنية بعد اعتناقهم المسيحية لدرجة أن الأقباط اتخذوا بداية للسنة القبطية ما يسمي تاريخيا بعصر الشهداء, وهو عصر دقلادينيوس تخليدا لما واجهه الأقباط في هذا العصر من أهوال, وبعد اعتناق الرومان للمسيحية عجزت الإمبراطورية الرومانية عن تحويل المصريين ليس عن دينهم هذه المرة, بل حتي عن مذهبهم المسيحي رغم أربعة قرون أخري من الاضطهاد.
لم يكن عمرو بن العاص من اخترع عزيمة الإقدام علي فتح مصر, فقد كان فتحها في حكم الواقع المفروغ منه منذ سنين, لكنه رأي الآية بعينيه, وأن الأوان المحتوم قد لاح ليغدو في حكم المعلوم منذ أن تنبأ الرسول صلي الله عليه وسلم جازما لصحابته: ستفتحون مصر فهي أرض يسمي فيها القيراط, فاستوصوا بأهلها خيرا, فإن لهم ذمة ورحما, وإذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا جندا كثيفا, فذلك الجند خير أجناد الأرض.. فسأل أبوبكر رضي الله عنه: ولم يا رسول الله؟ قال عليه السلام: لأنهم وأزواجهم في رباط إلي يوم القيامة.. لقد رأي عمرو بن العاص مصر بعين العبقرية التي تفسر الحلم بوحي الإلهام, وقد كان يزور بيت المقدس في سياحاته التجارية ليصغي إلي حجاجه ورهبانه المقيمين فيه فيسمع أخبارا تنم علي ما في مصر من قلق الرعية وضعف الرعاة, وغضب المصريين من الروم, وأن الحصون مهملة, والدساكر معطلة, والجنود يعيشون بين شعب يبغضهم ويجهر بعدائهم.. ولأنه لم يكن كأي سائح لامتيازه بنفاذ البصر وبلوغه مرتبة الحظوة عند بعض الأمراء الذين كانت له تجارة في بلادهم مثل نجاشي الحبشة الذي ألفه واستقبله بين خاصة أهله ودعاه بالصديق, ولأنه كان قد زار مصر في جاهليته مرات ووصل تخومها فلاشك أنه قد علم من أخبارها في جاهليته وبعد إسلامه الكثير, ويروي عنه أنه بينما كان يرعي إبله وإبل أصحابه في جبال بيت المقدس إذ أقبل عليه شماس يكاد يهلك من العطش فسقاه عمرو حتي روي وتركه ينام مستريحا إلي جواره, وإذ بحية عظيمة تخرج للنائم قتلها عمرو قبل أن تصل إليه, فاستيقظ الشماس وشكره قائلا: لقد أحياني الله بك مرتين: مرة من العطش, ومرة من الحية فكم ترجو أن تربح من تجارتك؟ فأجابه عمرو أشتري بعيرا لتكون لي ثلاثة أبعرة, فسأله الشماس: كم دية أحدكم بينكم؟ فأجابه: مئة من الإبل.. فعاد يسأله عن مقابلها بالدنانير فأجابه بأنها ألف دينار.. عندها دعاه الشماس للإسكندرية بلده ليعطيه الديتين, فعاد عمرو يسأله عن مدة الرحلة فأجابه بأنها شهر يستغرق فيها ذهابه عشرا, وإقامته عشرا, وعودته في عشر.. فانطلقا.. حتي انتهيا في الإسكندرية ليري عمرو في عمارتها وثروتها عجبا, ووافق دخوله إليها عيدا يجتمع فيه أمراؤها وأشرافها يترامون بكرة من ذهب يدركون أن من تقع في كمه لا يموت حتي يغدو ملكا عليهم.. فلما جلس عمرو والشماس علي مقربة من الملعب أقبلت الموعودة تهوي حتي وقعت في كم عمرو ولأنها أبدا لم تكذبهم خبرها تساءلوا عجبا كيف يغدو هذا الأعرابي ملكا علينا؟!! وحدث الشماس قومه حديث إنقاذه فجمعوا له المال الذي وعده به ورده مكرما إلي أصحابه.. تلك إحدي القصص المرجعية لزيارة عمرو للديار المصرية قبل فتحها, إلي جانب أخريات منها ما رواه الكندي من أنه كان يحمل تجارته إليها كما يحملها إلي بيت المقدس والشام..
وليتنا أبناء الأمس عندما لم تكن مياه النيل أزمة ولا مؤتمرا خادعا, ولا مطمعا ولا سدا عاليا يكبل ذهب الأرض الأسود ويعوق مسيرة الأزل فيتصدع الشاطئان وتسقط النخلتان ويجف وجه التربة لا يخفي تجاعيد السنين.. ليتنا أيام عمرو في وصفه مصر للفاروق: مصر تربة غبراء, وشجرة خضراء, طولها شهر, وعرضها عشر, يكنفها جبل أغبر, ورمل أعفر, يخط وسطها نهر ميمون الغدوات, مبارك الروحات, يجري بالزيادة والنقصان, كجري الشمس والقمر, له أوان, تظهر به عيون الأرض وينابيعها, حتي إذا عج عجاجه, وتعظمت أمواجه, لم يكن وصول بعض القري إلي بعض إلا في خفاف القوارب, فإذا تكامل في زيادته نكص علي عقبه, كأول ما بدأ في شدته, وطما في حدته, فعند ذلك يخرج القوم ليحرثوا بطون أوديته وروابيه, يبذرون الحب, ويرجون الثمار من الرب, حتي إذا أشرق وأشرف, سقاه من فوق الندي, وغداه من تحته الثري, فعند ذلك يدر حلابه, ويغني ذبابه, فبينما هي يا أمير المؤمنين ورقة بيضاء, إذا هي عنبرة سوداء, وإذا هي زبرجدة خضراء, فتعالي الله الفعال لما يشاء.. والذي يصلح هذه البلاد وينميها ألا يقبل قول خسيسها في رئيسها, وألا يستأدي خراج ثمرة إلا في أوانها, وأن يصرف ثلث ارتفاعها في عمل جسورها وترعها.. فإذا تقرر الحال مع العمال في هذه الأحوال, تضاعف ارتفاع المال, والله تعالي يوفق في المبتدأ والمآل..
ولقد تنال شهادة الأشخاص علي مدي التاريخ بعضا من خدوش أو اعوجاج لصالح أحد الأطراف, لكننا أمام الوثائق لابد وأن ننحني احتراما للحقائق المجردة, وحول الادعاء بالظلم والقهر الذي وقع علي أهل مصر خلال الفتح العربي ترد شهادة البروفيسور النمساوي جرومان عام1930 التي يقدم فيها أقدم المستندات في عهد الإسلام, حيث تبرز بردية محفوظة في معهد البرديات بفيينا تحمل رقم558 تسمي بردية اهناسيا وتعود إلي عام21 هـ عبارة عن عقد شراء بين قائد جيش المسلمين عمرو وأهالي إحدي قري محافظة بني سويف ومحدد في العقد شراء55 رأسا من الضأن مبينا به ثمن الرأس والتزام القائد العربي بسداد الثمن, ويعقب جرومان في محاضرته بالجمعية الجغرافية في مصر علي هذه البردية بقوله: ربما تتصورون أن الإسلام انتشر لواؤه بالسيف والطعن, علي أن الأسقف يوحنا النيقوسي المسيحي ينقض هذا القول إذ شهد بأن عمرو بن العاص لم يأخذ شيئا من مقتنيات الكنيسة, ولم ينهب, ولم يأخذ غير الجزية التي اشترط دفعها.. و..لم يميز العرب أنفسهم بأرستقراطية يترفعون بها علي أفراد الشعب كما حدث في جميع الحالات التي تعرضت مصر فيها للغزو قبل الإسلام وبعده, فلقد ظل الإغريق لثلاثة قرون في مصر يونانا, والرومان لستة قرون رومانا, والأتراك لخمسة قرون أتراكا, وكانوا جميعهم لا يرون في أفراد الشعب إلا عبيدا مكرسين لخدمتهم ــ أدب سيس خرسيس ــ ولكن العرب تمصروا بمجرد اختلاطهم بشعب مصر فانصهر الجنسان انصهارا أنتج الإنسان المصري كما نعرفه اليوم جامعا بين الحسنيين: حضارته القومية وحضارة حكامه الجدد.. ونقطة البداية زرعها عمرو بن العاص عندما شق خليج أمير المؤمنين بين النيل والبحر الأحمر ليغدو ممرا صالحا للتجارة بين مصر والحجاز, وبني مسجده الشهير الذي يسمي بالجامع العتيق وبه بيت المال, وحلقات درس ووعظ للسيدات تصدرتها في العهد الفاطمي واعظة اسمها أم الخير الحجازية مما يوضح مواصلة رسالة الجامع حتي العهد الفاطمي بعد نشأة الأزهر..
عمرو بن العاص الذي ولد حوالي عام580 م ومات وقد أوشك علي المئة وكان الفارق بينه وبين ابنه البكري عبدالله اثنتي عشرة سنة فقط, فقد تزوج ولم يزل في أولي عتبات الشباب بفتاة من قبيلته سهم اسمها ريطة بنت منية ابن الحجاج التي أنجبت له ابناه عبدالله ومحمد.. وإذا ما كانت جملة أوصافه التي خرجت من بطون تاريخ العرب تقول بإنه كان أدعج, أبلج, ربعة القامة أقرب إلي القصر, يخضب بالسواد, فإننا عندما نرد الماء صفوا من منابعه سنجد عمرو يصف نفسه بقوله: إنني الكرار في الحرب, وأنني الصبور علي غير الدهر, لا أنام عن طلب, كأنما أنا الأفعي عند أصل الشجرة, ولعمري لست بالمتواني أو الضعيف, بل أنا مثل الحية الرقطاء, لا شفاء لمن عضته, ولا يرقد من لسعته, وإني إذا ما ضربت إلا فريت, ولا يخبو ما شببت, أشد القوم قلبا وأثبتهم يدا, أحمر اللواء وأذود عن الحمي.. وكان عمر بن الخطاب يقول عن مشية عمرو المتعالية الواثقة, حيث يرتدي الجبة الموشاة والعمامة المرصعة ما ينبغي أن يمشي أبوعبدالله إلا أميرا, وإلي تلك الإمارة والسلطة ظل سعي عمرو إليهما إلي جانب جمع المال دوما, باديا منه في الإسلام كما بدا منه في الجاهلية, فلم يعرف له موقف قط نزل فيه باختياره عن الرئاسة, وظل طموحه بلا حد حتي أنه كان يعزي نفسه بقوله المأثور عنه: إن ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة, وقضي عمرو خمس سنوات واليا لمصر في خلافة عمر بن الخطاب, ويساعده عبدالله بن سعد بن أبي سرح في ولاية الصعيد, وعندما تولي عثمان ذهب إليه عمرو ليبايعه في المدينة ويعرض عليه شئون ولايته مؤملا في عزل بن سعد من ولاية الصعيد, فأبي عثمان بل اقترح عليه أن يتولي شئون الحرب في مصر ويترك لابن سعد شئون الخراج فأبي قائلا: إني إذن كمن يأخذ البقرة بقرنيها ليحلبها غيره وقام عثمان بإقالة عمرو وتثبيت ابن سعد علي ولاية مصر حربها وخراجها, وكان أخا لعثمان في الرضاع وليس من دأبه أن يعزل أقرباءه, ولم يستكن عمرو بن العاص للعزل وظل يترقب في بيته بفلسطين يوم العودة إلي كرسي مصر الذي يعلم أنه آت لا ريب فيه, ويقتل عثمان فيقصد عمرو معاوية بالشام ليرسله إلي مصر علي رأس جيش تعداده ستة آلاف رجل, فأقبل عليها فاتحا قبل أن ينالها واليا لا يخفي حبه للمال بل يكشف عنه كلما دعاه داعي الكلام.. وقد سأله معاوية وقد شاخا وخبت عند كليهما لذات الفحولة وهوس الشباب عما بقي لديه من لذة الدنيا فقال عمرو: محادثة أهل العلم وخبر طيب يأتيني من ضيعتي.. وفي مسامرة أخري للشيخين ــ اللذين وضعهما الشعبي من دهاة العرب الأربعة: معاوية, وعمرو, والمغيرة, وزياد.. فأما معاوية فللأناة والحلم, وأما عمرو فللمعضلات, والمغيرة للمبادهة, وأما زياد فللصغير والكبير ــ عما بقي لديهما من لذات الدنيا فقال معاوية: أما النساء فلا أرب لي فيهن الآن, وأما الثياب فقد لبست منها حتي وهي بها جلدي فما أدري أيهما ألين, وأما الطعام فقد أكلت من لبنه وطيبه حتي ما أدري أيهما ألذ وأطيب, وأما الطيب فقد دخل خياشيمي منه حتي لم أعد أدري ما الرياحين وما التمر حنة, وما شيء الآن ألذ عندي من شراب بارد في يوم صائف, ومن أن أنظر إلي بني وبني بني يدورون حولي.. فما بقي منك يا عمرو؟! فقال ابن العاص: مال أغرسه فأصيب من ثمرته وغلته!, وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم أدري الناس بحب عمرو للمال قبل أن يعرفه المسلمون أو المشركون بطول المراسي فولاه الإمارة في غزوة ذات السلاسل وقال له وهو يعرضها عليه: إني أريد أن أبعثك علي جيشك فيسلمك الله ويغنمك وأزغب لله من المال زغبة صالحة فأجابه عمرو وهو يشفق أن يظن النبي بإسلامه الظنون: يا رسول الله ما أسلمت من أجل المال, بل أسلمت رغبة في الإسلام فهون النبي ما خامره من الظن ودفع عنه وهمه قائلا: يا عمرو نعم المال الصالح للمرء الصالح.
وقد كان إسلام عمرو مع خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة رضي الله عنهم في وقت واحد, وعندما سئل عمرو عن سبب تأخره في دخول الدين الحنيف قال: كنا مع قوم لهم علينا تقدم وسن, توازي عقولهم الجبال, وما سلكوا فجا فتبعناهم إلا وجدناه سهلا, فلما أنكروا علي النبي أنكرنا معهم, ولم نفكر في أمرنا, وقلدناهم, فلما ذهبوا وصار الأمر إلينا نظرنا في النبي فإذا الأمر يبين, فوقع في قلبي الإسلام, وقد وردت في صحيح مسلم قصة إسلامه كما رواها بنفسه: فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلي الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك لأبايعك, فبسط يمينه, فقبضت يدي فقال:( مالك يا عمرو؟!) قلت: أردت أن أشترط, قال بماذا؟ قلت: أن يغفر لي, قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله, وأن الهجرة تهدم ما قبلها, وأن الحج يهدم ما كان قبله؟, وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه, وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له, ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه, وقد أسلم عبدالله بن عمرو بن العاص قبل أبيه وكان اسمه العاص, فأسماه رسول الله صلي الله عليه وسلم بعد إسلامه عبدالله, وكان له مقام راسخ في العلم واشترك في غزوة العبادلة ودخل أفريقيا وتوفي في مصر سنة ثلاث وستين, وكان يكتب ما يسمعه من النبي وله في ذلك700 حديث ويروي عن حياته: زوجني أبي امرأة من قريش, فلما دخلت علي, جعلت لا أنحاش لها مما بقي بي من القوة علي العبادة, فجاء أبي إلي امرأتي يسألها: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير رجل لم يفتش لي كنفا, ولم يقرب لنا فراشا, فأقبل علي, وعنفني قائلا: زوجتك امرأة ذات حسب فأهملتها, ثم انطلق يشكوني للنبي فطلبني, فأتيته, فقال: أتصوم النهار وتقوم الليل؟ قلت: نعم, قال: لكني أصوم وأفطر, وأصلي وأنام, وأمس النساء, فمن رغب عن سنتي فليس مني.. ويذكر عبدالله بن عمرو: جمعت القرآن, فقرأته كله في ليلة فقال النبي عليه السلام: اقرأه في شهر, فقلت: يا رسول الله دعني أستمتع من قوتي وشبابي, قال اقرأه في عشرين, قلت: دعني أستمتع, قال: اقرأه في سبع ليال, قلت: دعني أستمتع.. فنهاه أن يقرأه في أقل من ثلاث.
وليس أطول قامة ولا أبلغ مقاما ولا أنفذ بصيرة من الكاتب العملاق عباس محمود العقاد صاحب العبقريات ليأخذنا معه في قراءته للأعماق إلي مفتاح السر وشمس الوضوح في الشخصية التي يضعها تحت مجهره العقادي الذي يعيد الفروع إلي الأصول والشارد إلي جسم الحقيقة, وهو عندما قام بقراءته العقادية للصحابي الجليل عمرو بن العاص الذي داوم علي عمله في التجارة والجزارة إلي ما بعد إسلامه وانقضاء صدر من الإسلام وجده معتدا بنسبه لأبيه العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب الذي يرتفع نسبه إلي قريش حيث يفاخر به علي الخلفاء كعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان, بينما لم يكن فخورا بنسبه المغمور من جانب الأم النابغة بنت عبدالله التي أصابتها رماح العرب فبيعت مغلوبا علي أمرها بعكاظ, علي عكس أم أخيه الأصغر هشام الذي كانت أمه بنت هشام بن المغيرة من كرائم قريش, ومن هنا فقد أنسته عصبيته أن الإسلام ينهي عن كراهية الذرية من البنات, عندما أنف أنفة الجاهلية حين رأي معاوية يقبل ابنته عائشة قائلا له: من هذه؟ قال معاوية: هذه تفاحة القلب! فقال له: انبذها عنك, فوالله إنهن ليقربن البعداء, ويورثن الضغائن..
ويتصدي الإمام أبوبكر بن العربي في كتابه القيم العواصم من القواصم ليفند واقعة التحكيم التي يدان فيها عمرو بن العاص بقولهم إنه اجتمع بأبي موسي الأشعري في دومة الجندل للتفاوض الذي أسفر علي أن يخلعا معا عليا ومعاوية, فقال عمرو علي سبيل الاحترام للأشعري اسبقني بالقول, فتقدمه قائلا: إني خلعت عليا كما أخلع سيفي هذا من عاتقي, وعقب عمرو: إني أثبت معاوية علي الأمر كما أثبت سيفي هذا في عاتقي, فأنكره موسي وتفرق الجمع علي اختلاف وشقاق.. ويرد القاضي بن العربي المالكي بأن كل هذا كذب ومحض افتراء وما جري منه حرف قط, وإنما اخترعه المبدعون ليتوارثه أهل الجهارة والبهتان, ويأتي بعدهم جمع من المستشرقين المغرضين لترديده للطعن في المسلمين وتصور تاريخهم بأنه مجرد صراع علي السلطة والسيادة والنفوذ. وبإخضاع الرواية للنقد والتحليل بجهود الأئمة الثقاة لوحظ أمران.. ضعف سندها واضطراب متنها, وأما سندها ففيه الراويان متهمان في عدالتهما, أبو مخنف لوط بن يحيي, وأبوجنان الكلبي.. الأول ضعيف وليس بثقة وقال فيه الإمام أبوحاتم: متروك, وقال فيه الدارقطني: ضعيف, وقال فيه ابن معين: ليس بثقة, وقال فيه ابن عدي: محترف في شق الصفوف, وقال فيه الذهبي: إخباري تالف لا يوثق به.. أما الثاني أبوجنان الكلبي: فقد قال فيه ابن سعيد: كان ضعيفا, وقال البخاري وأبوحاتم: ضعيف, وقال عثمان الدارمي: ضعيف, وقال النسائي: ضعيف.. ذاك من ناحية السند, أما من ناحية المتن فهناك أمور كثيرة تبطل رواية التحكيم المزعومة في أن يكون أبو موسي الأشعري ضحية خديعة عمرو منها ما ينافي الحقائق الثابتة عن فطنة الأشعري وفقهه وعلمه مما جعله يتولي الحكم والقضاء في الدولة الإسلامية منذ عهد الرسول صلي الله عليه وسلم, فقد استعان به النبي علي زبيد وعدن, واستخدمه عمر بن الخطاب علي البصرة وبقي واليا عليها إلي مقتل عمر, وكذلك عينه عثمان بن عفان واليا علي الكوفة حتي مقتله, وأقره علي رضي الله عنه بعدها, ومما يؤكد عدم صحة الرواية ما ذكره الشعبي عن وصية عمر في مواقف الصحابة في الفتن التي كتب فيها ألا يقر عامل أكثر من سنة, وأقروا الأشعري أربع سنين, ومن مكانة أبي موسي في الفقه والسنة أن عمر قد خصه بكتابه المشهور في القضاء وسياسة الحكم.. فكيف يتصور غفلته إلي هذا الحد فلا يفقه حقيقة النزاع الذي كلف بالحكم فيه, وصدر فيه قرار لا محل له, وهو قرار عزل الخليفة الشرعي بدون مبرر يسوغ هذا العزل.. أما في شأن عمرو بن العاص أحد أذكياء العرب وحكمائهم ألا يكفي أمر الرسول له أن يقضي بين خصمين في حضرته, وأنه بشره حيث سأله: يا رسول الله أقضي وأنت حاضر؟! بأن له إن أصاب أجران وإن أخطأ أجر واحد.
الوالي والواعظ والوالد والزعيم والفارس والسياسي والفلكي والحكيم عمرو بن العاص الذي لم يترك قضية اجتماعية أو بيئية أو سياسية أو حتي قضية تنظيم الأسرة ورعاية الحيوان إلا وطرقها ناصحا ومرشدا منتهزا في ذلك فترة وقوفه فوق المنبر في أيام الجمع.. ومن نصائحه المنبرية قوله: يا معشر الناس إياكم وخصالا أربعا فإنها تدعو إلي التعب بعد الراحة, والضيق بعد السعة, والذل بعد العز.. إياكم وكثرة العيال, وانخفاض الحال, وتضييع المال, والقيل بعد القال, فلابد للمرء من وقت فراغ لراحة بدنه, وتدبير شأنه, وتصفية نفسه من الشهوات, ولا يضيع المرء في فراغه نصيب نفسه من العلم فيكون من الخير عاطلا, وعن حلال الله وحرامه عادلا.. يا معشر الناس قد تدلت الجوزاء, وارتفعت الشعري, وأقلعت السماء, وارتفع الوباء, وقل الندي, وطال المرعي, ووضعت الحوامل, وأورق الشجر, وعلي الراعي حسن النظر.. فحيي بكم علي بركة الله إلي ريفكم فتنالوا من خيره ولبنه, وخرافه وصيده, وأربعوا خيلكم, وأسمنوها, وصونوها, وأكرموها, فإنها جنتكم من عدوكم, وبها تنالون مغانمكم وأنفالكم, واستوصوا بمن جاورتم من القبط خيرا, وإياكم والمشمومات المعسولات, فإنهن يفسدن الدين ويقصرن الهمم, وكفوا أيديكم وغضوا أبصاركم فلا أعلمن ما أتاني رجل قد أسمن جسمه وأهزل فرسه, واعلموا أنني معترض الخيل كاعتراض الرجال, فمن أهزل فرسه من غير علة حططته من فريضته قدر ذلك, واعلموا أنكم في رباط إلي يوم القيامة, لكثرة الأعداء حولكم, ولإشراف قلوبهم إليكم وإلي داركم, واحمدوا ربكم معشر الناس علي ما أولاكم, وأقيموا في ريفكم ما بدا لكم, فإذا يبس العود, وسخن العمود, وكثر الذباب, وحمض اللبن, وصوح البقل, وانقطع الورد من الشجر, فحيي علي فسطاطكم علي بركة الله.. ووصيتي إليكم ألا يقدمن أحد منكم ذو عيال علي عياله إلا ومعه تحفة لعياله يلهون بها, علي ما أطاق من سعته أو عسرته.. أقول قولي هذا واستحفظ الله عليكم..
وكمثل حمامة الأيك التي لجأت لخيمة ابن العاص لطلب الأمان بعد فتح حصن بابليون, فهناك حمامة مصرية أخري لم تجد سوي خيمة عمرو ملجأ عندما وقعت أسيرة جنوده فحملوها إليه ليرسلها إلي أبيها المقوقس معززة مكرمة.. أرمانوسة المصرية التي خطر لأبيها أن يزوجها بقسطنتين بن هرقل الأكبر ووارث عرشه الذي ماتت زوجته, وأن يزودها بجهاز يغريه بإهمال المتأخرات المتبقية عليه من ضرائب مصر التي لم يدفعها للخزينة الإمبراطورية ــ وكان هرقل في شيخوخته وقتها دائم الندم معذبا بوسواس الخطيئة لعلاقته بابنة شقيقته مرتينة وهو أمر محرم في دينه ــ وإذ استراح قسطنتين للفكرة الغناء بعدما بلغه جمال عروس النيل سليلة رعمسيس خرج إليه موكب العروس في أواخر سنة630 م يزفها ألفا حارس وتحفها حملة الهدايا والعطايا والجواهر والنفائس من العبيد, لكنها ما أن وصلت لحدود مصر مغادرة لها, وكادت تعبر القنطرة عند الإسماعيلية, حتي بلغتها انتصارات العرب الذين شددوا الحصار علي عريسها هناك في قيصرية فطرحت حلي العرس وزينة الفرح, وتقلدت السيف بدلا من الوشاح, وتمنطقت بمعدات الهلاك بدلا من أحزمة الذهب, ونزلت من مركبتها المطهمة لتمتطي متن جواد أشهب, وظلت داخل بلبيس شهرا كاملا تقاوم بضراوة حتي وقعت أسيرة فساقوها لخيمة المنتصر.. عمرو بن العاص الذي استأذن يوما علي فاطمة رضي الله عنها, فأذنت له فسأل: ثم علي, قالوا: لا.. فرجع, ثم استأذن عليها مرة أخري فسأل كذلك: ثم علي؟ قالوا: نعم.. فدخل.. فقال له علي: ما منعك أن تدخل حين لم تجدني هاهنا؟ قال: إن رسول الله نهانا أن ندخل علي المغيبات..
عمرو بن العاص الذي أنهي حياته بالحكمة والموعظة الحسنة بقوله لابنه عن الإمامة والحكومة: يا بني! إمام عادل خير من مطر وابل, وأسد خطوم خير من إمام ظلوم, وإمام ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم.. يا بني! مزاحمة الأحمق خير من مصافحته.. يا بني زلة الرجل عظام تجبر, وزلة اللسان لا تبقي ولا تذر.. يا بني! استراح من لا عقل له!
اصدقائى الاعزاء ارجوا ان تكونوا قد استمتعتم بقدر استمتاعى والى اللقاء
مع اجمل تحياتى .
شعب مصر ليس هو الشعب الذى يتحول عن دينه بالقوة ... ما الدليل ؟؟!!
لقاء عمرو مع شماس مصر الذى انقذ حياته مرتين والشماس يرد الجميل.
حقيقة مسئوليته عن الفتنة زمن علىّ ومعاوية.
اصدقائى الاعزاء تعالوا نعيش سويا مع القائد العربى الاسلامى عمرو بن العاص ؛ من خلال سيدة الكلمة وملكة القلم
الاديبة الاستاذه ( سناء البيسى)
قصة عمرو بن العاص فى مصر
حمامة الأيك هجرت أيكها وطارت إلي معسكر الفارس المغوار الذي حمل الإسلام في ركابه إلي أرجاء المعمورة لتحط فوق خيمته بعد فتح حصن بابليون قبل انطلاق جيوشه لاستكمال مسيرة النور.
لتصل إلي بلاد الصين والروس وقلب أوروبا ومجاهل أفريقيا.. تحط الحمامة تبني عشها وتضع بيضها وتلقم أفراخها بخيرات منقارها, ويأمر ابن العاص جنوده بجمع كل الخيام إلا خيمته كي لا تروع ذات الجناحين التي وجدت في حماه أمانها وأمن أفراخها, وكيف لا وهو من قال عنه الرسول صلي الله عليه وسلم: أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص, وتلتف المدينة الناشئة كالسوار حول المعصم من حول الخيمة المختارة ليغدو اسمها الفسطاط ومعناه الخيمة الكبري التي تشهد علي مدي ما قدمه الإسلام للعرب من حضارة ورقي إنساني.. ويشهد شاهد من أهلها.. أهل الفسطاط وبابليون والروضة والإسكندرية وأهل مصر بكذب الأقاويل حول انتشار الإسلام بالقهر, فهذا الشعب المصري ليس بالذي يتحول عن دينه ولغته بسبب قهر يتعرض له, فقد ظلت الإمبراطورية الرومانية بكل عنفوانها علي مدي ثلاثة قرون من الاضطهاد لم تستطع فيها أن تعيد المصريين للوثنية بعد اعتناقهم المسيحية لدرجة أن الأقباط اتخذوا بداية للسنة القبطية ما يسمي تاريخيا بعصر الشهداء, وهو عصر دقلادينيوس تخليدا لما واجهه الأقباط في هذا العصر من أهوال, وبعد اعتناق الرومان للمسيحية عجزت الإمبراطورية الرومانية عن تحويل المصريين ليس عن دينهم هذه المرة, بل حتي عن مذهبهم المسيحي رغم أربعة قرون أخري من الاضطهاد.
لم يكن عمرو بن العاص من اخترع عزيمة الإقدام علي فتح مصر, فقد كان فتحها في حكم الواقع المفروغ منه منذ سنين, لكنه رأي الآية بعينيه, وأن الأوان المحتوم قد لاح ليغدو في حكم المعلوم منذ أن تنبأ الرسول صلي الله عليه وسلم جازما لصحابته: ستفتحون مصر فهي أرض يسمي فيها القيراط, فاستوصوا بأهلها خيرا, فإن لهم ذمة ورحما, وإذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا جندا كثيفا, فذلك الجند خير أجناد الأرض.. فسأل أبوبكر رضي الله عنه: ولم يا رسول الله؟ قال عليه السلام: لأنهم وأزواجهم في رباط إلي يوم القيامة.. لقد رأي عمرو بن العاص مصر بعين العبقرية التي تفسر الحلم بوحي الإلهام, وقد كان يزور بيت المقدس في سياحاته التجارية ليصغي إلي حجاجه ورهبانه المقيمين فيه فيسمع أخبارا تنم علي ما في مصر من قلق الرعية وضعف الرعاة, وغضب المصريين من الروم, وأن الحصون مهملة, والدساكر معطلة, والجنود يعيشون بين شعب يبغضهم ويجهر بعدائهم.. ولأنه لم يكن كأي سائح لامتيازه بنفاذ البصر وبلوغه مرتبة الحظوة عند بعض الأمراء الذين كانت له تجارة في بلادهم مثل نجاشي الحبشة الذي ألفه واستقبله بين خاصة أهله ودعاه بالصديق, ولأنه كان قد زار مصر في جاهليته مرات ووصل تخومها فلاشك أنه قد علم من أخبارها في جاهليته وبعد إسلامه الكثير, ويروي عنه أنه بينما كان يرعي إبله وإبل أصحابه في جبال بيت المقدس إذ أقبل عليه شماس يكاد يهلك من العطش فسقاه عمرو حتي روي وتركه ينام مستريحا إلي جواره, وإذ بحية عظيمة تخرج للنائم قتلها عمرو قبل أن تصل إليه, فاستيقظ الشماس وشكره قائلا: لقد أحياني الله بك مرتين: مرة من العطش, ومرة من الحية فكم ترجو أن تربح من تجارتك؟ فأجابه عمرو أشتري بعيرا لتكون لي ثلاثة أبعرة, فسأله الشماس: كم دية أحدكم بينكم؟ فأجابه: مئة من الإبل.. فعاد يسأله عن مقابلها بالدنانير فأجابه بأنها ألف دينار.. عندها دعاه الشماس للإسكندرية بلده ليعطيه الديتين, فعاد عمرو يسأله عن مدة الرحلة فأجابه بأنها شهر يستغرق فيها ذهابه عشرا, وإقامته عشرا, وعودته في عشر.. فانطلقا.. حتي انتهيا في الإسكندرية ليري عمرو في عمارتها وثروتها عجبا, ووافق دخوله إليها عيدا يجتمع فيه أمراؤها وأشرافها يترامون بكرة من ذهب يدركون أن من تقع في كمه لا يموت حتي يغدو ملكا عليهم.. فلما جلس عمرو والشماس علي مقربة من الملعب أقبلت الموعودة تهوي حتي وقعت في كم عمرو ولأنها أبدا لم تكذبهم خبرها تساءلوا عجبا كيف يغدو هذا الأعرابي ملكا علينا؟!! وحدث الشماس قومه حديث إنقاذه فجمعوا له المال الذي وعده به ورده مكرما إلي أصحابه.. تلك إحدي القصص المرجعية لزيارة عمرو للديار المصرية قبل فتحها, إلي جانب أخريات منها ما رواه الكندي من أنه كان يحمل تجارته إليها كما يحملها إلي بيت المقدس والشام..
وليتنا أبناء الأمس عندما لم تكن مياه النيل أزمة ولا مؤتمرا خادعا, ولا مطمعا ولا سدا عاليا يكبل ذهب الأرض الأسود ويعوق مسيرة الأزل فيتصدع الشاطئان وتسقط النخلتان ويجف وجه التربة لا يخفي تجاعيد السنين.. ليتنا أيام عمرو في وصفه مصر للفاروق: مصر تربة غبراء, وشجرة خضراء, طولها شهر, وعرضها عشر, يكنفها جبل أغبر, ورمل أعفر, يخط وسطها نهر ميمون الغدوات, مبارك الروحات, يجري بالزيادة والنقصان, كجري الشمس والقمر, له أوان, تظهر به عيون الأرض وينابيعها, حتي إذا عج عجاجه, وتعظمت أمواجه, لم يكن وصول بعض القري إلي بعض إلا في خفاف القوارب, فإذا تكامل في زيادته نكص علي عقبه, كأول ما بدأ في شدته, وطما في حدته, فعند ذلك يخرج القوم ليحرثوا بطون أوديته وروابيه, يبذرون الحب, ويرجون الثمار من الرب, حتي إذا أشرق وأشرف, سقاه من فوق الندي, وغداه من تحته الثري, فعند ذلك يدر حلابه, ويغني ذبابه, فبينما هي يا أمير المؤمنين ورقة بيضاء, إذا هي عنبرة سوداء, وإذا هي زبرجدة خضراء, فتعالي الله الفعال لما يشاء.. والذي يصلح هذه البلاد وينميها ألا يقبل قول خسيسها في رئيسها, وألا يستأدي خراج ثمرة إلا في أوانها, وأن يصرف ثلث ارتفاعها في عمل جسورها وترعها.. فإذا تقرر الحال مع العمال في هذه الأحوال, تضاعف ارتفاع المال, والله تعالي يوفق في المبتدأ والمآل..
ولقد تنال شهادة الأشخاص علي مدي التاريخ بعضا من خدوش أو اعوجاج لصالح أحد الأطراف, لكننا أمام الوثائق لابد وأن ننحني احتراما للحقائق المجردة, وحول الادعاء بالظلم والقهر الذي وقع علي أهل مصر خلال الفتح العربي ترد شهادة البروفيسور النمساوي جرومان عام1930 التي يقدم فيها أقدم المستندات في عهد الإسلام, حيث تبرز بردية محفوظة في معهد البرديات بفيينا تحمل رقم558 تسمي بردية اهناسيا وتعود إلي عام21 هـ عبارة عن عقد شراء بين قائد جيش المسلمين عمرو وأهالي إحدي قري محافظة بني سويف ومحدد في العقد شراء55 رأسا من الضأن مبينا به ثمن الرأس والتزام القائد العربي بسداد الثمن, ويعقب جرومان في محاضرته بالجمعية الجغرافية في مصر علي هذه البردية بقوله: ربما تتصورون أن الإسلام انتشر لواؤه بالسيف والطعن, علي أن الأسقف يوحنا النيقوسي المسيحي ينقض هذا القول إذ شهد بأن عمرو بن العاص لم يأخذ شيئا من مقتنيات الكنيسة, ولم ينهب, ولم يأخذ غير الجزية التي اشترط دفعها.. و..لم يميز العرب أنفسهم بأرستقراطية يترفعون بها علي أفراد الشعب كما حدث في جميع الحالات التي تعرضت مصر فيها للغزو قبل الإسلام وبعده, فلقد ظل الإغريق لثلاثة قرون في مصر يونانا, والرومان لستة قرون رومانا, والأتراك لخمسة قرون أتراكا, وكانوا جميعهم لا يرون في أفراد الشعب إلا عبيدا مكرسين لخدمتهم ــ أدب سيس خرسيس ــ ولكن العرب تمصروا بمجرد اختلاطهم بشعب مصر فانصهر الجنسان انصهارا أنتج الإنسان المصري كما نعرفه اليوم جامعا بين الحسنيين: حضارته القومية وحضارة حكامه الجدد.. ونقطة البداية زرعها عمرو بن العاص عندما شق خليج أمير المؤمنين بين النيل والبحر الأحمر ليغدو ممرا صالحا للتجارة بين مصر والحجاز, وبني مسجده الشهير الذي يسمي بالجامع العتيق وبه بيت المال, وحلقات درس ووعظ للسيدات تصدرتها في العهد الفاطمي واعظة اسمها أم الخير الحجازية مما يوضح مواصلة رسالة الجامع حتي العهد الفاطمي بعد نشأة الأزهر..
عمرو بن العاص الذي ولد حوالي عام580 م ومات وقد أوشك علي المئة وكان الفارق بينه وبين ابنه البكري عبدالله اثنتي عشرة سنة فقط, فقد تزوج ولم يزل في أولي عتبات الشباب بفتاة من قبيلته سهم اسمها ريطة بنت منية ابن الحجاج التي أنجبت له ابناه عبدالله ومحمد.. وإذا ما كانت جملة أوصافه التي خرجت من بطون تاريخ العرب تقول بإنه كان أدعج, أبلج, ربعة القامة أقرب إلي القصر, يخضب بالسواد, فإننا عندما نرد الماء صفوا من منابعه سنجد عمرو يصف نفسه بقوله: إنني الكرار في الحرب, وأنني الصبور علي غير الدهر, لا أنام عن طلب, كأنما أنا الأفعي عند أصل الشجرة, ولعمري لست بالمتواني أو الضعيف, بل أنا مثل الحية الرقطاء, لا شفاء لمن عضته, ولا يرقد من لسعته, وإني إذا ما ضربت إلا فريت, ولا يخبو ما شببت, أشد القوم قلبا وأثبتهم يدا, أحمر اللواء وأذود عن الحمي.. وكان عمر بن الخطاب يقول عن مشية عمرو المتعالية الواثقة, حيث يرتدي الجبة الموشاة والعمامة المرصعة ما ينبغي أن يمشي أبوعبدالله إلا أميرا, وإلي تلك الإمارة والسلطة ظل سعي عمرو إليهما إلي جانب جمع المال دوما, باديا منه في الإسلام كما بدا منه في الجاهلية, فلم يعرف له موقف قط نزل فيه باختياره عن الرئاسة, وظل طموحه بلا حد حتي أنه كان يعزي نفسه بقوله المأثور عنه: إن ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة, وقضي عمرو خمس سنوات واليا لمصر في خلافة عمر بن الخطاب, ويساعده عبدالله بن سعد بن أبي سرح في ولاية الصعيد, وعندما تولي عثمان ذهب إليه عمرو ليبايعه في المدينة ويعرض عليه شئون ولايته مؤملا في عزل بن سعد من ولاية الصعيد, فأبي عثمان بل اقترح عليه أن يتولي شئون الحرب في مصر ويترك لابن سعد شئون الخراج فأبي قائلا: إني إذن كمن يأخذ البقرة بقرنيها ليحلبها غيره وقام عثمان بإقالة عمرو وتثبيت ابن سعد علي ولاية مصر حربها وخراجها, وكان أخا لعثمان في الرضاع وليس من دأبه أن يعزل أقرباءه, ولم يستكن عمرو بن العاص للعزل وظل يترقب في بيته بفلسطين يوم العودة إلي كرسي مصر الذي يعلم أنه آت لا ريب فيه, ويقتل عثمان فيقصد عمرو معاوية بالشام ليرسله إلي مصر علي رأس جيش تعداده ستة آلاف رجل, فأقبل عليها فاتحا قبل أن ينالها واليا لا يخفي حبه للمال بل يكشف عنه كلما دعاه داعي الكلام.. وقد سأله معاوية وقد شاخا وخبت عند كليهما لذات الفحولة وهوس الشباب عما بقي لديه من لذة الدنيا فقال عمرو: محادثة أهل العلم وخبر طيب يأتيني من ضيعتي.. وفي مسامرة أخري للشيخين ــ اللذين وضعهما الشعبي من دهاة العرب الأربعة: معاوية, وعمرو, والمغيرة, وزياد.. فأما معاوية فللأناة والحلم, وأما عمرو فللمعضلات, والمغيرة للمبادهة, وأما زياد فللصغير والكبير ــ عما بقي لديهما من لذات الدنيا فقال معاوية: أما النساء فلا أرب لي فيهن الآن, وأما الثياب فقد لبست منها حتي وهي بها جلدي فما أدري أيهما ألين, وأما الطعام فقد أكلت من لبنه وطيبه حتي ما أدري أيهما ألذ وأطيب, وأما الطيب فقد دخل خياشيمي منه حتي لم أعد أدري ما الرياحين وما التمر حنة, وما شيء الآن ألذ عندي من شراب بارد في يوم صائف, ومن أن أنظر إلي بني وبني بني يدورون حولي.. فما بقي منك يا عمرو؟! فقال ابن العاص: مال أغرسه فأصيب من ثمرته وغلته!, وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم أدري الناس بحب عمرو للمال قبل أن يعرفه المسلمون أو المشركون بطول المراسي فولاه الإمارة في غزوة ذات السلاسل وقال له وهو يعرضها عليه: إني أريد أن أبعثك علي جيشك فيسلمك الله ويغنمك وأزغب لله من المال زغبة صالحة فأجابه عمرو وهو يشفق أن يظن النبي بإسلامه الظنون: يا رسول الله ما أسلمت من أجل المال, بل أسلمت رغبة في الإسلام فهون النبي ما خامره من الظن ودفع عنه وهمه قائلا: يا عمرو نعم المال الصالح للمرء الصالح.
وقد كان إسلام عمرو مع خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة رضي الله عنهم في وقت واحد, وعندما سئل عمرو عن سبب تأخره في دخول الدين الحنيف قال: كنا مع قوم لهم علينا تقدم وسن, توازي عقولهم الجبال, وما سلكوا فجا فتبعناهم إلا وجدناه سهلا, فلما أنكروا علي النبي أنكرنا معهم, ولم نفكر في أمرنا, وقلدناهم, فلما ذهبوا وصار الأمر إلينا نظرنا في النبي فإذا الأمر يبين, فوقع في قلبي الإسلام, وقد وردت في صحيح مسلم قصة إسلامه كما رواها بنفسه: فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلي الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك لأبايعك, فبسط يمينه, فقبضت يدي فقال:( مالك يا عمرو؟!) قلت: أردت أن أشترط, قال بماذا؟ قلت: أن يغفر لي, قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله, وأن الهجرة تهدم ما قبلها, وأن الحج يهدم ما كان قبله؟, وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه, وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له, ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه, وقد أسلم عبدالله بن عمرو بن العاص قبل أبيه وكان اسمه العاص, فأسماه رسول الله صلي الله عليه وسلم بعد إسلامه عبدالله, وكان له مقام راسخ في العلم واشترك في غزوة العبادلة ودخل أفريقيا وتوفي في مصر سنة ثلاث وستين, وكان يكتب ما يسمعه من النبي وله في ذلك700 حديث ويروي عن حياته: زوجني أبي امرأة من قريش, فلما دخلت علي, جعلت لا أنحاش لها مما بقي بي من القوة علي العبادة, فجاء أبي إلي امرأتي يسألها: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير رجل لم يفتش لي كنفا, ولم يقرب لنا فراشا, فأقبل علي, وعنفني قائلا: زوجتك امرأة ذات حسب فأهملتها, ثم انطلق يشكوني للنبي فطلبني, فأتيته, فقال: أتصوم النهار وتقوم الليل؟ قلت: نعم, قال: لكني أصوم وأفطر, وأصلي وأنام, وأمس النساء, فمن رغب عن سنتي فليس مني.. ويذكر عبدالله بن عمرو: جمعت القرآن, فقرأته كله في ليلة فقال النبي عليه السلام: اقرأه في شهر, فقلت: يا رسول الله دعني أستمتع من قوتي وشبابي, قال اقرأه في عشرين, قلت: دعني أستمتع, قال: اقرأه في سبع ليال, قلت: دعني أستمتع.. فنهاه أن يقرأه في أقل من ثلاث.
وليس أطول قامة ولا أبلغ مقاما ولا أنفذ بصيرة من الكاتب العملاق عباس محمود العقاد صاحب العبقريات ليأخذنا معه في قراءته للأعماق إلي مفتاح السر وشمس الوضوح في الشخصية التي يضعها تحت مجهره العقادي الذي يعيد الفروع إلي الأصول والشارد إلي جسم الحقيقة, وهو عندما قام بقراءته العقادية للصحابي الجليل عمرو بن العاص الذي داوم علي عمله في التجارة والجزارة إلي ما بعد إسلامه وانقضاء صدر من الإسلام وجده معتدا بنسبه لأبيه العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب الذي يرتفع نسبه إلي قريش حيث يفاخر به علي الخلفاء كعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان, بينما لم يكن فخورا بنسبه المغمور من جانب الأم النابغة بنت عبدالله التي أصابتها رماح العرب فبيعت مغلوبا علي أمرها بعكاظ, علي عكس أم أخيه الأصغر هشام الذي كانت أمه بنت هشام بن المغيرة من كرائم قريش, ومن هنا فقد أنسته عصبيته أن الإسلام ينهي عن كراهية الذرية من البنات, عندما أنف أنفة الجاهلية حين رأي معاوية يقبل ابنته عائشة قائلا له: من هذه؟ قال معاوية: هذه تفاحة القلب! فقال له: انبذها عنك, فوالله إنهن ليقربن البعداء, ويورثن الضغائن..
ويتصدي الإمام أبوبكر بن العربي في كتابه القيم العواصم من القواصم ليفند واقعة التحكيم التي يدان فيها عمرو بن العاص بقولهم إنه اجتمع بأبي موسي الأشعري في دومة الجندل للتفاوض الذي أسفر علي أن يخلعا معا عليا ومعاوية, فقال عمرو علي سبيل الاحترام للأشعري اسبقني بالقول, فتقدمه قائلا: إني خلعت عليا كما أخلع سيفي هذا من عاتقي, وعقب عمرو: إني أثبت معاوية علي الأمر كما أثبت سيفي هذا في عاتقي, فأنكره موسي وتفرق الجمع علي اختلاف وشقاق.. ويرد القاضي بن العربي المالكي بأن كل هذا كذب ومحض افتراء وما جري منه حرف قط, وإنما اخترعه المبدعون ليتوارثه أهل الجهارة والبهتان, ويأتي بعدهم جمع من المستشرقين المغرضين لترديده للطعن في المسلمين وتصور تاريخهم بأنه مجرد صراع علي السلطة والسيادة والنفوذ. وبإخضاع الرواية للنقد والتحليل بجهود الأئمة الثقاة لوحظ أمران.. ضعف سندها واضطراب متنها, وأما سندها ففيه الراويان متهمان في عدالتهما, أبو مخنف لوط بن يحيي, وأبوجنان الكلبي.. الأول ضعيف وليس بثقة وقال فيه الإمام أبوحاتم: متروك, وقال فيه الدارقطني: ضعيف, وقال فيه ابن معين: ليس بثقة, وقال فيه ابن عدي: محترف في شق الصفوف, وقال فيه الذهبي: إخباري تالف لا يوثق به.. أما الثاني أبوجنان الكلبي: فقد قال فيه ابن سعيد: كان ضعيفا, وقال البخاري وأبوحاتم: ضعيف, وقال عثمان الدارمي: ضعيف, وقال النسائي: ضعيف.. ذاك من ناحية السند, أما من ناحية المتن فهناك أمور كثيرة تبطل رواية التحكيم المزعومة في أن يكون أبو موسي الأشعري ضحية خديعة عمرو منها ما ينافي الحقائق الثابتة عن فطنة الأشعري وفقهه وعلمه مما جعله يتولي الحكم والقضاء في الدولة الإسلامية منذ عهد الرسول صلي الله عليه وسلم, فقد استعان به النبي علي زبيد وعدن, واستخدمه عمر بن الخطاب علي البصرة وبقي واليا عليها إلي مقتل عمر, وكذلك عينه عثمان بن عفان واليا علي الكوفة حتي مقتله, وأقره علي رضي الله عنه بعدها, ومما يؤكد عدم صحة الرواية ما ذكره الشعبي عن وصية عمر في مواقف الصحابة في الفتن التي كتب فيها ألا يقر عامل أكثر من سنة, وأقروا الأشعري أربع سنين, ومن مكانة أبي موسي في الفقه والسنة أن عمر قد خصه بكتابه المشهور في القضاء وسياسة الحكم.. فكيف يتصور غفلته إلي هذا الحد فلا يفقه حقيقة النزاع الذي كلف بالحكم فيه, وصدر فيه قرار لا محل له, وهو قرار عزل الخليفة الشرعي بدون مبرر يسوغ هذا العزل.. أما في شأن عمرو بن العاص أحد أذكياء العرب وحكمائهم ألا يكفي أمر الرسول له أن يقضي بين خصمين في حضرته, وأنه بشره حيث سأله: يا رسول الله أقضي وأنت حاضر؟! بأن له إن أصاب أجران وإن أخطأ أجر واحد.
الوالي والواعظ والوالد والزعيم والفارس والسياسي والفلكي والحكيم عمرو بن العاص الذي لم يترك قضية اجتماعية أو بيئية أو سياسية أو حتي قضية تنظيم الأسرة ورعاية الحيوان إلا وطرقها ناصحا ومرشدا منتهزا في ذلك فترة وقوفه فوق المنبر في أيام الجمع.. ومن نصائحه المنبرية قوله: يا معشر الناس إياكم وخصالا أربعا فإنها تدعو إلي التعب بعد الراحة, والضيق بعد السعة, والذل بعد العز.. إياكم وكثرة العيال, وانخفاض الحال, وتضييع المال, والقيل بعد القال, فلابد للمرء من وقت فراغ لراحة بدنه, وتدبير شأنه, وتصفية نفسه من الشهوات, ولا يضيع المرء في فراغه نصيب نفسه من العلم فيكون من الخير عاطلا, وعن حلال الله وحرامه عادلا.. يا معشر الناس قد تدلت الجوزاء, وارتفعت الشعري, وأقلعت السماء, وارتفع الوباء, وقل الندي, وطال المرعي, ووضعت الحوامل, وأورق الشجر, وعلي الراعي حسن النظر.. فحيي بكم علي بركة الله إلي ريفكم فتنالوا من خيره ولبنه, وخرافه وصيده, وأربعوا خيلكم, وأسمنوها, وصونوها, وأكرموها, فإنها جنتكم من عدوكم, وبها تنالون مغانمكم وأنفالكم, واستوصوا بمن جاورتم من القبط خيرا, وإياكم والمشمومات المعسولات, فإنهن يفسدن الدين ويقصرن الهمم, وكفوا أيديكم وغضوا أبصاركم فلا أعلمن ما أتاني رجل قد أسمن جسمه وأهزل فرسه, واعلموا أنني معترض الخيل كاعتراض الرجال, فمن أهزل فرسه من غير علة حططته من فريضته قدر ذلك, واعلموا أنكم في رباط إلي يوم القيامة, لكثرة الأعداء حولكم, ولإشراف قلوبهم إليكم وإلي داركم, واحمدوا ربكم معشر الناس علي ما أولاكم, وأقيموا في ريفكم ما بدا لكم, فإذا يبس العود, وسخن العمود, وكثر الذباب, وحمض اللبن, وصوح البقل, وانقطع الورد من الشجر, فحيي علي فسطاطكم علي بركة الله.. ووصيتي إليكم ألا يقدمن أحد منكم ذو عيال علي عياله إلا ومعه تحفة لعياله يلهون بها, علي ما أطاق من سعته أو عسرته.. أقول قولي هذا واستحفظ الله عليكم..
وكمثل حمامة الأيك التي لجأت لخيمة ابن العاص لطلب الأمان بعد فتح حصن بابليون, فهناك حمامة مصرية أخري لم تجد سوي خيمة عمرو ملجأ عندما وقعت أسيرة جنوده فحملوها إليه ليرسلها إلي أبيها المقوقس معززة مكرمة.. أرمانوسة المصرية التي خطر لأبيها أن يزوجها بقسطنتين بن هرقل الأكبر ووارث عرشه الذي ماتت زوجته, وأن يزودها بجهاز يغريه بإهمال المتأخرات المتبقية عليه من ضرائب مصر التي لم يدفعها للخزينة الإمبراطورية ــ وكان هرقل في شيخوخته وقتها دائم الندم معذبا بوسواس الخطيئة لعلاقته بابنة شقيقته مرتينة وهو أمر محرم في دينه ــ وإذ استراح قسطنتين للفكرة الغناء بعدما بلغه جمال عروس النيل سليلة رعمسيس خرج إليه موكب العروس في أواخر سنة630 م يزفها ألفا حارس وتحفها حملة الهدايا والعطايا والجواهر والنفائس من العبيد, لكنها ما أن وصلت لحدود مصر مغادرة لها, وكادت تعبر القنطرة عند الإسماعيلية, حتي بلغتها انتصارات العرب الذين شددوا الحصار علي عريسها هناك في قيصرية فطرحت حلي العرس وزينة الفرح, وتقلدت السيف بدلا من الوشاح, وتمنطقت بمعدات الهلاك بدلا من أحزمة الذهب, ونزلت من مركبتها المطهمة لتمتطي متن جواد أشهب, وظلت داخل بلبيس شهرا كاملا تقاوم بضراوة حتي وقعت أسيرة فساقوها لخيمة المنتصر.. عمرو بن العاص الذي استأذن يوما علي فاطمة رضي الله عنها, فأذنت له فسأل: ثم علي, قالوا: لا.. فرجع, ثم استأذن عليها مرة أخري فسأل كذلك: ثم علي؟ قالوا: نعم.. فدخل.. فقال له علي: ما منعك أن تدخل حين لم تجدني هاهنا؟ قال: إن رسول الله نهانا أن ندخل علي المغيبات..
عمرو بن العاص الذي أنهي حياته بالحكمة والموعظة الحسنة بقوله لابنه عن الإمامة والحكومة: يا بني! إمام عادل خير من مطر وابل, وأسد خطوم خير من إمام ظلوم, وإمام ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم.. يا بني! مزاحمة الأحمق خير من مصافحته.. يا بني زلة الرجل عظام تجبر, وزلة اللسان لا تبقي ولا تذر.. يا بني! استراح من لا عقل له!
اصدقائى الاعزاء ارجوا ان تكونوا قد استمتعتم بقدر استمتاعى والى اللقاء
مع اجمل تحياتى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق