المشاركات الشائعة

السبت، مايو 15، 2010

دايم فى المسرات ان شاء الله

                                                                      


   اصدقائى الاعزاء   رايت من واجبى الا اكون انانيا  فهذا ليس من طبعى ؛ فاردت ان تعيشوا معى متعة القراءة  لما تناولته هذا الاسبوع  الاستاذة المبدعة سناء البيسى . وحتى لا اضيع متعة الموضوع هيا اليه :


هي و هو


تشـرب شـاي‏!‏


بقلم: سناء البيسى   


تشرب شاي‏..‏ عبارة الكرم الحميمة التي كان يقولها المذيع الجماهيري الدمث محمود سعد بابتسامته الشيقة عندما كان يبغي ببلاغته الحوارية غير التصادمية إيقاف نزيف استرسال ضيفه فيما لا ينبغي أن يقال في برنامجه البيت بيتك.  



الذي لم تفحمني مقومات اختفائه ولا عودة بعثه في ثوبه الجديد‏,‏ فكان يقولها تشرب شاي مصحوبة بعيون الرجاء ما يحدث نفس أثر مطرقة القاضي الحازمة لغلق باب المهاترات الجانبية والعودة إلي صلب القضية‏,‏ وإلي متن ما تم إيجازه منها‏..‏ تشرب شاي‏.‏ عبارة محمود المذيع البيتي الحنون كانت تعيدني إلي ذكريات فيلم شاي وحنان‏teaandsympathy‏ بعنوانه المنقسم إلي شقين كأنهما ضفتا نهر أو شريانا دلتا أو غصنا زيتون أو جفنا عين أو وجنتا خجل أو ذراعا احتضان أو شهيق وزفير‏,‏ لا غني لأحدهما عن الآخر‏,‏ فلا شاي بلا حنان‏,‏ والحنان نفسه في حاجة للارتواء برشفة شاي‏,‏ وقعدة شاي‏,‏ وإبريق شاي يصب رحيق كهرمانيته بعضا عنده وبعضا عندها‏,‏ فيحلو الكلام والسمر وتطول ليالي السهر‏..‏ شاي وحنان‏..‏ الازدواج الشاعري بين الرحيق والمشاعر يحتويني علي أرض الانسجام وتبادل النظرات ولمسات الأصابع وخرطة السكر وذوبان الحلو في محيط الصهد‏,‏ ولسعة الرشفة الأولي وحرارة الانسكاب‏..‏ شاي وحنان‏..‏ تلك الخلطة السحرية الرومانسية التي كانت عنوانا للفيلم الذي شاهدناه في زمن أوج الحب‏,‏ كانت بطلته النجمة الشاعرية ديبوراكير‏,‏ فأمدنا بدفقة رومانسية جعلتنا نغرق في بحور الحنان وتبادل الاعترافات حول صينية شاي يحرك لي في قلب فنجانها فتلة الباكو‏,‏ وأحرك مثيلتها ليصطبغ غليان الماء‏,‏ ويستشري الرحيق في الأوصال‏,‏ فتغدو الساعات ذهبية والرفقة ذهبية والنهار والإطار والحوار والمزاج والشغف والحنين بلون الذهب‏..‏ شاي وحنان‏..‏ و‏..‏ اتفضل شاي‏..‏ وأبدا لا نقولها‏:‏ اتفضل حلبة أو اتفضل جنزبيل أو سحلب أو نسكافيه‏..‏ لكن التفضل في هذا المجال مقصور أبدا علي الشاي‏,‏ والمصطلح صيغ خصيصا من أجله‏,‏ والكرم هو مفتاحه‏,‏ وسكة الألفة والمسامرة والمساهرة وحبال الأخذ والرد وجمع الشمل بدايتها‏:‏ اتفضل شاي‏..‏ مع قالب سكر وورقتين نعناع وشريحة ليمون وخرطة كيك علي جانب طبق الفنجان‏..‏ الشاي ذلك المستبد الذي يتحكم فينا بكامل إرادتنا لعلمنا مسبقا بما سوف يجري لنا بدونه‏,‏ فالرأس في غيابه خواء‏,‏ والذهن هباء‏,‏ والفكر مشوش‏,‏ والتركيز مهوش‏,‏ والزهم سيد الإحساس‏,‏ والضيق والتنهيد والزفرات محتوي الصدر والأنفاس‏.‏



أروح أعدل مزاجي بفنجان شاي علي جميع الألوان أسود وأحمر وأخضر وأبيض‏..‏ أي والله شاي أبيض‏..‏ أرقي الأنواع وأغلاها‏,‏ وإنتاجه العالمي في مجال ضيق لحد الندرة‏,‏ لأن القطف يكون في أوقات دقيقة معينة من السنة‏,‏ يتم خلالها أخذ البراعم الصغيرة للتعامل معها بعناية فائقة وتعريضها للبخار‏,‏ وبعدها يجري تجفيفها‏,‏ ويسمي هذا النوع أيضا بالشاي الفضي أو اللؤلؤي‏,‏ ومذاقه غاية في المتعة‏,‏ ويعد إنتاج سيلان في الهند منه أفضل بكثير من إنتاج فيوجيان بالصين‏.‏


وأبدا سيظل النزاع الشاياتي قائما بين كل من الصين والهند لتثبت كل منهما أنها أم الشاي الأصلية‏,‏ وأنه قد تجلت علي أرضها قبل غيرها شجرة الشاي بأنواعها الـ‏300‏ الدائمة الخضرة التي يبلغ طولها ما يقرب من ثلاثة أقدام‏,‏ لتظل قادرة علي العطاء لنصف قرن من الزمان‏,‏ ليقطف منها الجامع المتمرس يوميا ما لا يقل عن‏7‏ أرطال‏..‏ في الصين يضربون في العمق التاريخي البعيد ليؤصلوا شايهم‏,‏ فيزعمون ظهوره علي أرضهم قبل مائتي مليون سنة‏,‏ ويقولون‏:‏ إن الهند وقتها كانت مفصولة تماما عن قارة آسيا بواسطة المحيط‏..‏ وعندما عرف الصينيون الشاي أطلقوا عليه باللغة الصينية اسم تشا‏tchha‏ الاسم الذي انتقل معه لبلاد العالم لتخضعه ألسنة الشعوب المختلفة لقواعدها اللغوية‏,‏ فسماه الفرس والأكراد والبلغار والأتراك جاي وسماه الأرمن تاي وسماه الإنجليز‏Tea‏ والفرنسيون‏THE‏ وأطلق عليه أهل الشام في القرن التاسع عشر اسم الشاهي‏,‏ وللشاي في الصين قدسية خاصة وضعته في مصاف الكنوز التي يتمتع بها المثقفون‏,‏ فهو السابع إلي جانب السيتار القيثارة والشطرنج‏,‏ والخط‏,‏ والرسم‏,‏ والشعر‏,‏ والكحول‏,‏ ويعد من ضرورات الحياة السبع علي غرار حطب التدفئة والأرز والزيت والملح والصويا والخل‏,‏ وهكذا فإن مفهوم ثقافة الشاي مواز للثقافة الصينية بشكل عام‏,‏ وقد ارتفعت منزلته إلي مرتبة المشروب القومي‏,‏ فبين الشاي والأمة الصينية ذلك الرابط الجوهري الذي يربط النبيذ بفرنسا‏,‏ والجبن بهولندا‏,‏ والويسكي باسكتلندا‏,‏ والنارجيلة بتركيا‏,‏ وفي التراث الفلسفي الصيني ما يؤصل وشائج الصلة بين الشاي ومفهوم الانسجام حيث تقول نظرية أصحاب العيون المسحوبة‏:‏ إن الشاي يسمح بخلق الانسجام بين الأضداد‏,‏ فيكون احتساؤه مع الآخرين نوعا من القبول المؤقت بوضع السلاح جانبا‏,‏ ويغدو الوقت مواتيا للتأمل في الوجود والبحث عن الحقيقة سعيا وراء الهناء الروحي لبلوغ مملكة الشاي العليا في طريق الشاي‏..‏ ويقارن الصينيون بين طريق الشاي الخاص بهم وطقس الشاي الياباني شانويو بقولهم‏:‏ إن استخدام الشاي في الصين لا يفرض متطلبات قاسية مثل اليابان‏,‏ فبالنسبة إلي تقاليد الحياة لدينا فإن طريقة احتساء الشاي اليابانية مجردة من الفرحة‏,‏ لأنهم يغفلون عن الجوهر‏,‏ ومراسم طريقتهم الفنية لاحتساء الشاي مجرد تقليد شكلي‏,‏ بينما الهدف يفترض فيه أن يكون تعبيرا عن الروح الداخلية‏...‏



وإذا ما كان الصينيون أول من شرب الشاي‏,‏ وأتي من بعدهم اليابانيون ليحتسوه في القرن التاسع الميلادي‏,‏ فالأوروبيون قد عرفوه في القرن السادس عشر في الفترة نفسها التي عرفته فيها بلاد غرب أفريقيا‏,‏ واستعمله الفرنسيون في البداية عام‏1356‏ م كعقار طبي وبعدها شرابا للضيافة عام‏1814‏ م‏,‏ وقد أرسلت شركة الهند الشرقية‏4763‏ صندوقا من الشاي إلي انجلترا عام‏1678,‏ وفي عام‏1725‏ استهلك الإنجليز‏370323‏ صندوقا من الشاي‏,‏ وتفننت الشعوب في تحضيره فمنهم من يشربه بلا تحلية‏,‏ ومنهم من يضيف السكر‏,‏ وفي انجلترا يضاف الحليب‏,‏ وفي التبت يغلونه بالملح ويتناولونه مع البصل‏,‏ وفي تركيا يستخدمون إبريقين له يملأون الأسفل الكبير بالماء ويضعون بداخله الأصغر بأوراق الشاي والماء القليل‏,‏ وبعد نضوج الأوراق يصبون من الإبريق الأصغر مقدارا مناسبا للرغبة من حيث اللون والتركيز‏,‏ ثم يضاف الماء الساخن من الإبريق الكبير مع السكر تبعا للرغبة‏,‏ ويضيف الأتراك إلي أوراق الشاي زهر البنفسج أو الليمون أو الجنزبيل أو القرفة‏,‏ ولا يعلي في ريفنا المصري علي الشاي المغلي لفترات طويلة فوق الراكية‏,‏ ويعود تاريخ المقاهي في القاهرة إلي‏200‏ عام مضت‏,‏ حيث يمثل الشاي بنوعياته المختلفة وأسلوب تقديمه عماد المشروبات التي يصاحبها النداء لاستعجال طلبات الزبائن‏:‏ واحد شاي وصلحه‏..‏ تلاتة شاي خمسينة‏..‏ اتنين شاي سكر تقيل مع شيشة عجمي‏..‏ واحد شاي سكر برة‏..‏ دور شاي مع عشرة كوتشينة بالمشاريب‏..‏ ويعتذر المونولوجست الصعيدي عمر الجيزاوي عن دعوة اتفضل شاي بالرد المتعجل لع متشكر‏..‏ عندي جضية في الكلية‏..‏



في اليابان تستغرق مراسم تقديم الشاي أربع ساعات كاملة‏,‏ وهناك مدارس خاصة تشرف علي تعليم الفتيات فن التقديم قبل الزواج‏,‏ وأولي قواعد اتيكيت الشاي الياباني أن يغسل الضيف يديه وفمه قبل دخوله محراب قاعة شرب الشاي‏,‏ فإذا ما أقبل علي بابها خلع نعليه وتبادل مع مضيفه الانحناء قبل الدخول من الباب المنخفض والضيق للغاية‏,‏ والمعني من وراء ذلك هو الالتزام بشدة التواضع وبذل الجهد والمشقة في سبيل بلوغ جلال الموقف المقدس وهو زمن شرب الشاي‏,‏ هذا إلي جانب وجوب ارتداء ملابس هادئة اللون أثناء احتساء الشاي كي لا تعيق بهرجتها أجواء التأمل والتحليق وتسرق ألوانها العين من فوق لتحت‏..‏ وتجري طقوس حفل الشاي بإرهاصاتها بتناول وجبة خفيفة تعدها ربة البيت من الفاصوليا الحمراء والسكر‏,‏ تعطي بعد غليانها مزيجا يشبه قوام الملبن‏,‏ بعدها يتم الخروج إلي الحديقة اليابانية بطرازها الخاص في نزهة صامتة لرياضة النفس‏,‏ ثم عودة لقاعة الشاي للتأمل في جمال سلطانية الشاي الصغيرة وليس كوب الشاي‏..‏ شاي أخضر ثقيل مغلي بدون سكر‏,‏ يعقبه سلطانية شاي خفيف‏..‏ كل هذا يتم في سكون وصمت الشفاة‏,‏ لكن حديث العيون يعبر عن مدي الإعجاب بإتقان صنع السائل السحري‏,‏ وبساطة الديكور المحيط الذي لا يضم إلا بارافان متواضعا ومنضدة صغيرة تعلوها فازة ورد صغيرة منسقة بمهارة ملائكية‏,‏ وحصير من القش‏..‏ و‏..‏عليك إذا ما كنت ضيفا علي مائدة الشاي اليابانية الجلوس علي قرافيصك‏,‏ وتناول السلطانية باليد اليسري‏,‏ وإسناد طرفها باليد اليمني‏,‏ ثم سحب رشفات الشاي بلا أدني صوت ورحمة ونور علي مفاصل الركبتين‏..‏ وإذا ما كانت تلك بعضا من طقوس تناول الشاي في اليابان‏,‏ فالحكمة في الصين قد رفعته لمنزلة القداسة‏,‏ ومن أقوال الحكيم الصيني كاتوزو أوكا كاورا‏:‏ ليس أقسي علي الفؤاد ولا طعنة في الأحشاء من ثلاثة أمور‏:‏ إفساد الشباب بالتربية المنحلة‏,‏ وإفساد اللوحات بنظر جهلاء الفن‏,‏ وإعداد الشاي بطريقة بلهاء تذهب بنكهته‏..‏ ووسط احتفالات هونج كونج بالألفية الثالثة احتشد أكثر من خمسة آلاف صيني في قاعدة بحرية بريطانية سابقة في هونج كونج حيث احتسي الحضور ما زاد علي‏24‏ ألف فنجان شاي ليدخل الحفل المقدس موسوعة جينيس للأرقام القياسية‏.‏


وفي تاريخ الشاي أنه لم يسلم من الهجوم‏,‏ حيث ظلت الشكوك تدور من حوله ليعد في تناوله حتي القرن الثامن عشر من مظاهر الانحلال الأخلاقي لدرجة أن الكاتب البريطاني بن جونسون قد وصف إحدي سيدات المجتمع بقوله‏:‏ مادامت تشرب الشاي هكذا في العلن فما الذي لا تجرؤ علي فعله أيضا من رعونة علي الملأ وفي الخفاء؟‏!..‏ وقد ظل تناول الشاي إلي تاريخ قريب مثار جدل ساخن تراوحت فيه الأقاويل بين الوجوب والتحريم مرورا بالإباحية‏,‏ وعلي سبيل المثال لقد ظل لفترة طويلة حكرا علي الرجال البالغين في المغرب وموريتانيا دون النساء والأطفال‏,‏ لكنه عمم بعدها ليدمنه الجميع إلي درجة أن من لم يشربه يصاب بالصداع والاكتئاب‏,‏ وقد أطلق عليه هناك اسم الأتاي وكان مثارا للخلاف بين الفقهاء والشعراء‏,‏ وفي قول أحد الشعراء الذين يمزجون العامية بالفصحي عن التاي أي الشاي‏:‏  

إن الأتاي علي التحريم جباه قــوم وأول مــن جـباه أباه 

داواه بالشاي طباب فقــال له لب النداء علي شاي فلباه 

وكلمة جباه تعني أوشك‏,‏ والمعني أن أباه كاد يوشك علي تحريم الشاي‏,‏ لكنه عدل بعدما لبيي دعوة الطبيب لتناوله فشفي من مرضه‏,‏ ولإباحة الشاي للمسلمين عامة بدون شرط جاء في الشعر القديم‏:‏ 

أتانا أتـاي لابسـا ثوب شـبهــةتنازعه فيه الإباحة والخطر 

فطورا له شبه المعسول‏,‏ وتارةيريـك بكــبريائه أنه الخـمـر 

هــو الخمــر إلا أن فـيه مــنافعوليس به إثم قـليل ولا سـكر 

وعندما حرم الفقيه بن قشتالة الأتاي علي أن شربه بدعة وأن الرسول صلي الله عليه وسلم وأصحابه وأتباعه لم يتناولوه قال‏:‏


أتاي شـاربه يلهـو كسكــراناولايزال مــن الضــلال حـيرانا 

أتاي لم يك من أفعال سـيدناوتالييه ولا مــن فـعـل عـثمانا

ولا علي ولا الأصحاب كلهم والتابعين لهم عـدلا وإحسـانا 

أتاي بدعـة أقـوام سيورثهم من بعد مشربهم فقرا وخذلانا 

فجادله الشاعر أبوبكر بن حماد الحجة بالحجة ليبيح الشاي بقوله‏:‏ 

إن قــلت لم يك مــن أفعــال سيدنا وتـالييه ولا مـــن فـعـــل عــثمــانا 

ولا عـــلي ولا الأصـحــــاب كـلهــم إشــارة تبتغـي التحــريم مـجــانا 

فـــلا تقــل أبـدا هـــذا حــــلال ولاهـــذا حــــرام لنهـي اللـه قـــــرآنـا 

إن لم يصـرح به نـص الكتاب ولا نص الحديث إذا مــا خفت بهتانا 

سبحــان مــن حــلل الأرزاق فضله بالطعم والنفع في المشروب إذ بانا 

أتاي أظــهــر أن الشــــرع حــلله إذ علة السكـر لم تظــهـر لندمانا 

أتاي عـيشــتنا ورحـمــــة نزلـت مـن ربنا فاسـكـروا سـرا وإعلانا 

ويعود ظهور اتيكيت تناول الشاي في مصر إلي فترة الخديوي إسماعيل بعدما بهرته حفلات تناول الشاي في فرنسا بحدائق قصور الأغنياء هناك في عام‏1864,‏ فقام بدعوة الإمبراطورة أوجيني لحضور حفل افتتاح قناة السويس‏,‏ حيث قامت بزيارة العديد من الأماكن الأثرية والقصور التي قام الخديوي ببنائها وتجديدها لتغدو لائقة في عيون أوجيني التي أبرقت لزوجها تقول‏:‏ الاستقبال فخم‏,‏ لم أر في حياتي ما يماثله‏,‏ وفي سبيل تلك العبارة الذهبية أنفق إسماعيل علي الزيارة مليونا وأربعمائة ألف جنيه مصري ذهبا‏..‏ وفي أثناء تجوال الإمبراطورة في المناطق الأثرية توعكت سموها قليلا‏,‏ ولم يكن هناك مكان مناسب للاستراحة إلا مقهي قريب اشتهر بتقديم الشاي الأخضر بأعواد النعناع الطازج يعود إنشاؤه في حي الحسين إلي عام‏1772‏ م في عهد السلطان محمد بك أبوالدهب عندما كان واليا علي مصر‏..‏ وقبل توجه أوجيني للمقهي سبقها رجال القصر لتهيئته والاقتراح علي صاحبه الفيشاوي إحضار أطقم الشاي من القصر‏,‏ وكذلك الأكواب الكريستال الملونة التي لا تخرج إلا في المناسبات الخديوية الكبري‏..‏ لكن الفيشاوي أبي وقال إن بعض ما عنده من أدوات تقديم الشاي لا يوجد في القصر‏,‏ ووقف الفيشاوي الذي لم يبلغ العشرين علي رأس الطريق القصير المؤدي من الميدان إلي المقهي شابا فتيا طويلا مهابا ضخم الشارب‏,‏ وعندما مد ذراع العضل لتتكئ عليه الفرنسية المرهفة طبقا لما أملاه عليه كبير الياوران من أصول البروتوكول‏,‏ لم يستمر طويلا علي هذا الوضع الدخيل علي أريحيته‏,‏ فما أن بلغا المدخل حتي أفلت ذراعها ليتقدمها كما اعتاد ابن البلد أن يسبق حريمه‏,‏ وكانت أوجيني توسع الخطي للحاق به‏,‏ وطوال جلوسها بالمقصورة لم ترفع نظرها عنه مبدية إعجابها بالنباتات والزهور المعلقة من الأسقف ومنها الفل والنرجس وشقائق النعمان‏,‏ وبعدما أثنت علي المكان وطريقة إعداد الشاي في أكواب الخمسينة أبدت بعد انصرافها للركب من حولها رغبتها في استدعاء المعلم الباسم الثغر إلي قصر ضيافتها لإعداد الشاي الأخضر المحلي بالسكر النبات‏,‏ والمعطر بالنعناع‏,‏ لتتذوقه ثانية وثالثة فقد دخل المزاج الإمبراطوري‏..‏ وركب الفيشاوي محط إعجاب إمبراطورة فرنسا عربته الدوكار الخاصة التي يجرها جواد أسود فاحم ذو غرة بيضاء‏,‏ وذهب إلي من استدعته ليعد لها الشاي الأخضر ويسقيها بيديه رحيق سكر النبات المنعنع‏!....‏ وبعد سبعين عاما جاء ممثل الإذاعة البريطانية يعرض علي المعلم شيكا مقبول الدفع بالعملة الإنجليزية تتراقص أصفاره للمسعدين‏,‏ ليصف له طريقة إعداده للشاي الأخضر خلف الأبواب المغلقة لجميلة الجميلات التي أشرف الخديوي إسماعيل بنفسه علي رصف الطريق الذي ستمر عربتها من فوقه بحيث ينضبط ميله بجوار الرصيف بارتفاع معين فتضطر الضيفة طبقا لموقع جلوسها المدبر سلفا بذكاء الاتكاء علي ذراعه‏..‏ لعل وعسي‏..‏ ولكن المعلم السبع ذا الأريحية قام بطرد المذيع الخواجة الإنجليزي لاعنا جدوده علي جدود الإذاعة البريطانية‏,‏ وانفرطت الأصفار علي قارعة الطريق‏,‏ وانطوي سر الطريقة الفيشاوية التي رشفت علي هديها أوجيني شاي أشهر صاحب مقهي في مصر‏..‏ المقهي الذي أبرزه نجيب محفوظ في خالدته قصر الشوق عندما التقي البطل أحمد عبدالجواد بأصدقائه حول ترابيزة الشاي‏:‏ جاء النادل بالدومينو‏,‏ وقدحين من الشاي علي صينية فاقعة الاصفرار‏,‏ فتركها جميعا علي المائدة وذهب‏..‏ تناول كمال قدحه وراح يحتسيه من قبل أن تخف حرارته‏,‏ وينفخ السائل ثم يتمززه‏,‏ وينفخ مرة أخري ويمصمص شفتيه كلما لسعته الحرارة‏,‏ ولكن ذلك لا يردعه فيعاود المحاولة في عناد وجزع كأنه محكوم عليه بالفراغ منه في دقيقة أو دقيقتين‏,‏ علي حين جعل فؤاد يراقبه صامتا أو يمد بصره إلي لا شيء وهو مستند إلي ظهر مقعده في رزانة أكبر من سنه‏,‏ تلوح في عينيه الواسعتين الجميلتين نظرة عميقة هادئة‏,‏ ولم يمد يده إلي قدحه حتي كان كمال قد فرغ من مغالبة قدحه‏,‏ وعند ذاك أقبل يحتسي الشاي في تأن مستطعما مذاقه مستلذا نكهته‏,‏ وهو يغمغم بعد كل حسوة الله‏..‏ ما أطيبه‏..‏



ولابد وأن يكون المعلم الفيشاوي رائدا تاريخيا في معرفة قيمة الشاي الأخضر لما اكتشف بعدها من مزاياه‏,‏ حيث خرجت نتائج الندوة العلمية الدولية ــ التي أقيمت في العام الماضي في سول واشترك فيها علماء من كوريا واليابان والصين وتايوان والولايات المتحدة لتثبت أن عمر مريض السرطان يمكن أن يطول من‏5‏ إلي‏6‏ سنوات إذا ما واظب علي شرب‏10‏ فناجين شاي أخضر يوميا‏,‏ هذا إلي جانب أن الشاي الأخضر إذا ما أصبح عادة يومية يساعد علي الوقاية من الروماتيزم لأنه يضم مكونين رئيسيين يعملان علي عزل الأنزيمات التي تتلف المفاصل‏,‏ ومن فوائد الشاي الأخضر البالغة الأهمية أنه يقاوم تلف الحامض النووي للخلايا‏DNA‏ التي بينت الأبحاث أن حدوث أية إصابة أو تلف يلحق به هو البداية لنشوء السرطان‏,‏ هذا ويحمي الشاي الأخضر الكبد من التلف الذي قد يتعرض له بسبب العدوي الفيروسية مثل الالتهاب الكبدي الوبائي‏,‏ كما يحسن قوي الإدراك عند كبار السن‏,‏ ويساهم في إزالة التوتر والضعف الجنسي‏,‏ ويحمي الأسنان من التسوس‏,‏ وأحدث أخبار الشاي الصحية القادمة من جامعة توفس الأمريكية تشير إلي أن كيس الشاي الذي يوضع في الماء المغلي لمدة‏5‏ دقائق يعطي‏80%‏ من مضادات الأكسدة وهو ما يعادل طبقا من الخضراوات‏,‏ وهذا لا يعني الاستغناء عن الخضراوات بكوب شاي يقدم علي صينية فضة في الصالون أو يأتي من فوق النصبة في المقاهي لتصل للجالسين نداءات الصبي مناديا العامل الواقف من خلفها يبلغه طلبات الزبائن‏:‏ شاي بنورة أي شاي عادي في كوب زجاجي‏,‏ وشاي ميزة أي شاي مخلوط باللبن‏,‏ وشاي بوستة أي شاي سادة بدون سكر‏,‏ وشاي علي ميه بيضا‏,‏ وشاي كشري أي توضع أوراق الشاي الجافة في الماء المغلي بالسكر‏,‏ وشاي تموين الشديد القتامة الذي يعدل دماغ الصنايعية في قعدة القهوة‏,‏ ومزاج فلاحي الزراعية تحت الجميزة في ظلال الساقية‏.‏


و‏..‏ ضع فنجان شايك جانبا ولو لم يكن قد برد أو احتسيت نصفه فقط‏,‏ وتعالي معي لتعرف أن خلف هذا الفنجان في الولايات المتحدة الأمريكية معقل الديمقراطية الآن أقوي حزب معارض اسمه حزب الشاي الذي ظهر تأثيره بقوة علي المشهد السياسي الأمريكي بعد الأزمة الاقتصادية الهائلة التي شهدتها أمريكا عام‏2009‏ واستدعت تدخلا حكوميا غير مسبوق في الاقتصاد عبر قوانين الإنقاذ الاقتصادي التي أقرتها الحكومة لدعم البنوك والشركات التي كانت علي وشك الإفلاس‏..‏ حزب الشاي أصبح له اليوم مؤيدون بالملايين خاصة لأنه ينأي بنفسه عن الحزبين الكبيرين ــ الجمهوري والديمقراطي ــ والناشطون فيه لهم أكثر من جناح تحمل أسماء تتلامس مع بعض الأجنحة الطائرة في سماوات ساحاتنا الآن ـ كفاية‏,‏ ولا للطوارئ ــ فهناك جناح فريدوم ووركس أي الحرية تعمل‏,‏ وجناح دونت جو أي لا تذهب‏,‏ وجناح أمريكيون من أجل الرخاء‏,‏ وجميع هذه الأجنحة تقوم حاليا بمظاهرات واسعة مخطط لمسيراتها ولافتاتها سلفا مثل التي يوجد لها خرائط مستقبلية في جوجل تظهر عليها المدن التي ستشهدها ومدي إمكانية اندلاعها من مدينة لأخري‏,‏ وكانت آخر مظاهرات الشاي إقامة تي بارتي أي حفل شاي ضخم شهدته واشنطن في الأسبوع الماضي بقيادة فرجينيا توماس زوجة كلانس توماس قاضي المحكمة العليا وهي بيضاء‏,‏ وهو أسود التي أعلنت عن تأسيس منظمة جديدة ليبرتي سنترال ــ مركز الحرية ــ كفرع جديد من فروع حزب الشاي الذي بات أكبر الحركات الشعبية في أمريكا نفوذا وانتشارا تدعمه وسائل التكنولوجيا مثل فيس بووك وماي سبيس‏,‏ وقد شن المتظاهرون في حفل شاي واشنطن هجوما عنيفا علي الحزبين الجمهوري والديمقراطي والرئيس باراك أوباما‏,‏ وهتف المتظاهرون برفض التدخل العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان أو أي مكان آخر بدعوي الديمقراطية وحقوق الإنسان‏,‏ ولم يعد الحزب الديمقراطي فقط من يشعر بالقلق البالغ من التصاعد السريع لحزب الشاي‏,‏ بل أيضا الحزب الجمهوري واللوبي اليهودي الذي يتوجس خطرا من أن نشطاء الشاي من الممكن أن يشكلوا ضغطا مستقبليا علي الحكومة الأمريكية لإجبارها علي تخفيف تدخلها في تطورات الشرق الأوسط أو في الدعم العسكري لإسرائيل‏.‏


ويؤكد أعضاء حزب الشاي أن لا علاقة عضوية له بالحزب الجمهوري علي الرغم من أن بعض ممثلي الحزب قد تحدثوا في مناسبات عديدة لحركة حزب الشاي‏,‏ حتي الرئيس أوباما ذاته قد تحدث مؤخرا في إحدي خطبه حول حركة حزب الشاي قائلا‏:‏ أعرف أن هناك قنوات تليفزيونية لا تحبني مثل فوكس التي تضع متعمدة أكياس الشاي في فناجين البعض‏,‏ ولهذا أقول لها وللمعارضين لسياساتي‏:‏ أدعوكم لمناقشة جادة معي‏.‏


وليست ثورة حزب الشاي الأمريكي وليدة اليوم ولا العقد الماضي فهي تعود إلي القرن الثامن عشر‏,‏ وبالذات يوم‏16‏ ديسمبر‏1773‏ قبل ثلاث سنوات من استقلال الولايات المتحدة عن نير الاستعمار البريطاني‏,‏ ففي ميناء مدينة بوسطن التابعة لمستعمرة ماساشوستس هجم أكثر من خمسمائة أمريكي علي ثلاث سفن بريطانية دار ثموث وبيفر ووليام كانت تحمل صناديق شاي من الهند صدرتها شركة إيست إنديا البريطانية إلي أمريكا‏,‏ وكانت هناك أربع سفن أخري قد قدمت تحمل نصف مليون رطل من شاي الهند‏,‏ فادعي الأمريكيون للمسئولين في الميناء بأنهم عمال جاءوا لتفريغ الشاي‏,‏ لكنهم ما أن سمح لهم بالصعود إلي السفن حتي قاموا بإلقاء صناديق الشاي من السفن السبع في البحر فقامت القوات البريطانية باعتقالهم لتعم المظاهرات وتغدو ثورة الشاي هي الشرارة التي قادت إلي استقلال أمريكا عام‏1776,‏ حيث كانت النساء قد انضممن للرجال وتوقفن عن حفلات شاي العصر علي الطريقة البريطانية‏,‏ وأعلنت بينيلوب باركر رئيسة اتحاد النساء بولاية نورث كارولينا‏:‏ لا شاي بعد اليوم‏..‏ لا ضرائب بعد اليوم‏..‏ لا منتجات بريطانية بعد اليوم حتي يتوقف ملك بريطانيا عن معاملتنا كرقيق‏..‏ وتوقف الملك‏..‏ ورفعت الضرائب ورحل الاستعمار‏..‏ واستؤنفت حفلات شاي العصاري‏.‏


وتبعا للمثل الأمريكي الذي يقول كل بنس له وجهان كان ولابد أن تظهر في ظل الديمقراطية الأمريكية حركة مضادة اسمها حزب القهوة ــ كافيه بارتي ــ الحزب الذي تأسس في العام الماضي في هوليوود عاصمة الليبرالية في أمريكا‏,‏ وشعاره استيقظ وتأهب مقتبسا من إعلان إحدي شركات النسكافيه استيقظ واستنشق قهوتنا‏..‏ ولم يمض شهران علي تأسيس حزب القهوة حتي بلغ عدد أعضائه في عين العدو ربع مليون شخص‏,‏ وهكذا يتم قيام الأحزاب عندهم بمجرد إخطار الحكومة‏,‏ مثل حزب الدفاع عن البيرة‏,‏ وحزب الشوارب الطويلة والشاي والقهوة‏,‏ بينما في العالم الثالث لا قيام للأحزاب إلا من بعد صك وسك الموافقة‏..‏ و‏..‏تشرب شاي؟‏!!!‏
                                ايه رايكم   ادعوا معى ان يمتعها الله بكل صحة وعافية
                            مع اجمل تحياتى
                                             العربى السمان






ليست هناك تعليقات: