المشاركات الشائعة

الاثنين، ديسمبر 12، 2016

( 839 ) فيديل كاسترو الجزء الثانى

صدر العدد الاول فى يناير 2010


ما حكم التاريخ على فيديل كاسترو؟
ما هو تقييمنا النهائى لعدالة التوزيع
 اذا شح بشدة ما يمكن توزيعه؟
لوتُوفى كاسترو وهو فى الأربعين من عمره
، لكان حكم التاريخ عليه
 أفضل بكثير من حكمه  عليه  الآن.
 الاصدقاء الاعزاء
المفكر والاديب الدكتور جلال امين 

  ان جيلى ممن عايشوا ثورة يوليو حيث كنا نتأثر تأثرا مباشرًا  بها وباشتراكيتها وبطلها عبد الناصر وبالتالى  بما يتعلق بها من ثوار ذلك الزمان ومنهم فيديل كاسترو وفى عدد خاص به  من لمبه سهارى افردتُ له ما أرى انه يستحقه  وكنت انوى لسيرته التناول بما يشبع رغبة القارىء فى معرفة من هم ابطال ذلك الزمان .

الزعيم الخالد جمال عبقد الناصر 

 واليوم  طالعتنا الاهرام  بمقال الاستاذ والمفكر الكبير جلال امين بسؤال حول 
( ما حكم التاريخ على فيديل كاسترو ؟؟)
فرأيت ان يكون الجزء الثانى لسيرة فيديل كاسترو هو مقال المفكر الكبير  تعالوا نقرأ ما ذا فى جعبة جلال امين .






د‏.‏ جلال أمين
الزعيم الكوبى فيديل كاسترو
الرئيس  الكوبى راؤول كاسترو 

، الذى رحل عنا منذ أيام قليلة عن تسعين عاما، كان شخصية فذة بكل معانى الكلمة، أيا كان رأينا فى أفكاره ومذهبه فى الحكم.



قاد ثورة شعبية مظفرة فى كوبا منذ نحو 
الرئيس الجزائرى الاسبق احمد بن بيلا 

ستين عاما، ضد حكم ظالم وفاسد وتابع للولايات المتحدة، وتولى الحكم بعد ذلك لما يقرب من خمسين عاما كحاكم مطلق (قبل أن يحل محله أخوه راؤول)، طبق فيديل خلالها أفكاره الاشتراكية، فحقق لشعبه درجة عالية من عدالة التوزيع، وتقدما باهرا فى الطب، سمح لكوبا، هذه الدولة الصغيرة التى لا يزيد سكانها اليوم على 12 مليونا، بأن ترسل البعثات الطبية لمساعدة دول فقيرة فى إفريقيا، كما حقق لكوبا أيضا تقدما باهرا فى التعليم، فقضى على الأمية فى عام واحد.
 
الرئيس الاندونيسى الاسبق احمد سوكارنو 
سمح كل هذا لكوبا، بأن تحصل على مركز فى مؤشر التنمية الإنسانية (Human Development) يفوق بكثير غيرها من الدول الفقيرة ذات مستوى مقارب لها فى متوسط الدخل، 





فكان ترتيب كوبا 67 طبقا لهذا المؤشر فى سنة 2014، بالمقارنة بمركز مصر 108 فى نفس السنة،
الرئيس اليوغسلافى  الاسبق  جوزيف بروز تيتو 

 لقد حققت مصر تقدما أسرع من كوبا فى زيادة متوسط الدخل فيما بين 1990 و2013، محسوبا بالقوة الشرائية للدولار، ولكن ليس معنى هذا وذاك أن مصر حققت تقدما أكبر من كوبا فى زيادة الكمية المتاحة من السلع والخدمات، بينما حققت كوبا تقدما أكبر بكثير فى القضاء على الفقر المدقع وتلبية الحاجات الأساسية للسكان.
إنى أنتمى الى جيل حظيت ثورة كوبا باهتمام كبير فيه، إذ قامت هذه الثورة ونحن فى نحو العشرين من العمر، وشهد جيلنا إنجازات
جمال عبدالناصر فى تحدى الاستعمار وتطبيق الأفكار الاشتراكية، فكان طبيعيا أن يعتبر كل من عبدالناصر وكاسترو الزعيم الآخر زميلا وقريبا، وأن يصبح الاسمان علمين من أعلام حركة عدم الانحياز فى العالم الثالث، إلى جانب أسماء
نهرو وتيتو وسوكارنو وبن بيلا، 

الرئيس الهندى الاسبق جواهر لال نهرو 

كان جيلنا مستعدا لأن يضرب الصفح (بل أكاد أقول أن يغفر) لهؤلاء الزعماء نظامهم الديكتاتورى (الذى طبقوه كلهم باستثناء نهرو)، وأن يعتبر هذا العيب ثمنا مبررا للاشتراكية، بحجة أن الحرية السياسية شيء كمالى 


يصر عليه الأغنياء والطبقة الوسطي، بينما لا يهم الفقير إلا حرية الحصول على رغيف الخبز، هكذا كان تفكير معظمنا فى ذلك الوقت، بينما كان الجيل الأكبر منا، كجيل
نجيب محفوظ
صاحب نوبل
 الاديب العالمى المنصرى نجيب محفوظ 

الذى تربى فى عصر سعد زغلول، لا يرى أبدا أن الاشتراكية تكفى بديلا عن الحرية السياسية.كنا نجد مبررا آخر لديكتاتورية هؤلاء الحكام، فى أنهم نجحوا فى تحقيق استقلال بلادنا عن الاستعمار، واعتبرنا هذا نوعا من التحرر الذى قد يغفر انفراد الحاكم المطلق باتخاذ القرارات بدلا منا.
كان عصرا غريبا جدا عندما نستعيد ذكراه الآن، وصفه البعض بالرومانسية، ووصفه آخرون بـ«الزمن الجميل»، ليس فقط فيما يتعلق بالعالم الثالث بل حتى فى نظر كثيرين من الأوروبيين والأمريكيين، فقد شاع فى هذين العقدين، الخمسينيات والستينيات، قبول الأفكار القريبة من الاشتراكية والاهتمام بمحدودى الدخل، وسادت العمالة الكاملة أو كادت، وازدهرت الحياة الثقافية، وقام تنافس حقيقى بين الأحزاب السياسية، بعكس ما يجرى اليوم، وحظيت أوروبا والولايات المتحدة بنوع من الزعماء يندر ظهورهم الآن.
فى أواخر 1967، وصلتنى دعوة غير متوقعة لحضور مؤتمر فى هافانا عاصمة كوبا، للاحتفال بالذكرى العاشرة للثورة الكوبية، مع عدد كبير جدا من مثقفى العالم، لم أتردد فى القبول حتى أشاهد بنفسى ما يجرى فى تلك الدولة، كنت قبيل إنهاء دراستى فى انجلترا قد استمعت إلى محاضرة عامة عن كوبا، فى كلية لندن للاقتصاد، ألقتها اقتصادية مرموقة هى
 جون روبنسون، وكانت قد عادت لتوها من زيارة لكوبا لمدة أسبوعين، كان ذلك على الأرجح فى 1962، واكتظ المدرج بالطلبة والأساتذة الذين جاءوا للاستماع لهذه الشخصية الشهيرة.

الزعيمان الاشتراكيان  عبد الناصر وكاسترو 

كانت جون روبنسون تتعاطف بشدة مع اليسار، وإن لم تكن ماركسية، وكما توقعنا عبرت فى المحاضرة عن تعاطف كامل مع التجربة الكوبية وأشادت بها، فلما حاول أحد الطلاب غير المتعاطفين معها الاعتراض مع ما قالته، وقال إن أسبوعين فى كوبا لا يكفيان لإصدار حكم صحيح، أسكته طالب آخر بأن أسبوعين من جون روبنسون يساويان شهورا من شخص آخر، فلما ذهبت أنا إلى كوبا فى 1967، وقضيت هناك ما يقرب من شهر، تعاطفت مع أشياء وسخطت على أشياء، نعم كان التقدم كبيرا فى تحقيق العدالة وتخفيف الفقر وفى الطب والتعليم، ولكن كانت الديكتاتورية واضحة أيضا، ومراقبة تحركاتنا شديدة وخانقة، فمنعت مثلا من الذهاب لزيارة أستاذ كوبى كان قد ألمح لى بصوت منخفض أننى يجب ألا أصدق كل ما أسمع، كذلك رأيت المحال خاوية إلا من السيجار الكوبي، والشعب يعانى من نقص الكثير من السلع خاصة الوقود، الذى كانت كوبا تعتمد فيه على معونة من الاتحاد السوفيتي، ثم خفف الاتحاد السوفيتى من مساعدته لها بعد أزمة الصواريخ الشهيرة فى 1962، التى هددت فيها الولايات المتحدة الاتحاد السوفيتى بحرب نووية، اذا لم تسحب صواريخها من كوبا.

لو كانت التجربة الكوبية قد انتهت فى أواخر الستينيات، ولوتُوفى كاسترو وهو فى الأربعين من عمره، لكان حكم التاريخ عليهما، فيما أظن، أفضل بكثير من حكمه عليهما الآن، فى هذه الخمسين سنة الأخيرة، حدثت أشياء كثيرة فى العالم، جعلت دولة اشتراكية بعد أخرى تتخلى عن الاشتراكية، وتتبنى بدرجات متفاوتة نظام حرية السوق، حتى الصين، وحتى الاتحاد السوفيتى الذى تفككت دوله وانضم بعضها الى الحلف الرأسمالي، وانتشر المجتمع الاستهلاكى فى أرجاء العالم، وزاد بشدة التفاوت فى الدخول فى الدول الرأسمالية والدول التى كانت اشتراكية على السواء، ولكن ظلت كوبا وظل كاسترو بنفس الشعارات التى رفعها منذ ستين عاما، كانت النتيجة أن استمرت كوبا تحظى بعدالة التوزيع، وبمستوى أعلى من كثير من الدول طبقا لمؤشر التنمية الإنسانية، ولكن استمر فقدان الحرية السياسية واستمر الشعب الكوبى محروما من كثير من طيبات الحياة،
فيديل كاسترو 

 فما الذى يمكن أن يكون عليه حكم التاريخ الآن على هذه التجربة؟ لقد بدأت التجربة بالسير فى نفس مسار التاريخ، ثم قامت بتحديه، وكأنها خرجت تماما عن التاريخ، الأرجح أن التجربة الكورية تركتنا بنفس الحيرة التى بدأنا بها: 


ما هو تقييمنا النهائى لعدالة التوزيع اذا شح بشدة ما يمكن توزيعه؟ وهل أضرار المجتمع الاستهلاكي، وهى كثيرة ومؤكدة، أشد أو أخف من فقدان الحرية السياسية؟ من منا الذى يجد من السهل إصدار أحكام من هذا النوع؟
د .جلال امين 

اصدقائى الاعزاء 
لكم تقديرى واحترامى ولمصر الحب كله 
 العربى السمان 



ليست هناك تعليقات: