صدر العددالاول فى يناير 2010
فرنسا ..القذارة تلبس قفازا !
الدين الخارجى الفرنسى تجاوز العشرة مليارات دولار
.هل قصدنا لنسدد عنه ؟
كتب دكتور حسام عقل :
تأملت
طويلا في زيارة ( فرانسوا أولاند ) (1954 _ .. ) إلى مصرمؤخرا , من حيث التوقيت و المحتوى
و الأهداف , فلم أهتد في النهاية إلا إلى صورة متدنية من صور النذالة الفرنسية الظاهرة التي لا تحمل أية قيمة و لا تؤسس على أي خلق و لا
تعنى بأي مبدأ , خلافا للهالة البراقة المبهرة التي دأبت النخبة المثقفة في مصر على
رسمها لفرنسا التي احتضنت البعثات و تألقت بالأدب و الموسيقى و المسرح , و بشرت دوما
بمباديء الثورة الفرنسية , حرية و إخاء و مساواة ! و الحاصل أن ( أولاند ) جاء إلى
القاهرة تاجرا أو ( مقاول أنفار ) _ بالتعبير الشعبي _ مصحوبا بزفة قوامها أربعة و
ستون مستثمرا لامتصاص مصر إلى آخر نقطة و اعتصار خزانتها إلى آخر مليم و ابتلاع ثرواتها
المتاحة الباقية إلى آخر قطعة لحم ! و كان آخر شيء يفكر فيه مقاول الأنفار , الممثل
لقصر الإليزيه ,
هو السلم الأهلي المصري أو التطور الحقوقي في مجال الحريات المدنية
أو العدالة الاجتماعية أو التفكير ( مجرد التفكير ! ) في حلحلة الأزمة المصرية المستحكمة
سياسيا , بل طمح رجل الحزب الاشتراكي الفرنسي القديم , و الرئيس رقم أربعة و عشرين
لجمهورية فرنسا , ( الرئيس السابع للجمهورية الفرنسية الخامسة ) , إلى استغلال الأزمة
المصرية العاتية أو ( المعجنة ) التي تطحن الجميع للخروج بعقود تجارية , يواجه بها
شعبه الناقم و ينقذ بها جماهيريته المتهاوية التي وصلت بها الاستفتاءات الفرنسية الأحدث
إلى الحضيض ! مضى ( أولاند ) ليمارس كالحواة لعبة الورقات الثلاث في مصر و الأردن و
لبنان , محاولا ممارسة أكبر ضغط على السلطة السياسية المأزومة في مصر , فضلا عن ضغط
مماثل على الشعب المصري المطحون في خلاط الأزمات السياسية و الاقتصادية المرعبة , للحصول
على أفضل اشتراطات لعقود تجارية تحرك المصانع الفرنسية الراكدة و تضمن منافذ مرور جيدة
للشركات الفرنسية الساخطة على حكمه _
و خصوصا شركة ( إنجي ) للطاقة _ مستغلا ضعف سلطة مصرية أنهكتها المواجهات و حاصرتها دوائر الأزمة
إلى حد الاختناق , و معاناة شعب يعاني مع سلطته
سياسيا و رغيف خبزه كما لم يعان من قبل !
مضى ( أولاند ) يرضي المستثمرين الفرنسيين بضمير متبلد لم يأبه لأية
ملفات حقوقية أو أزمات مصرية وضعت الوطن على حافة حد مسنون خطير غير مسبوق , وواصل
( أولاند ) الضغط على السلطة المصرية فيما يشبه ( الستربتيز ) العلني , عارضا الدعم
السياسي المشروط و المثمن بالثمن المناسب الذي قدرته ( باريس ) وحدها , و شرع ( أولاند
) _ بالتبلد نفسه _ يعد أوراق البنكنوت المعتصرة من دماء الوطن المصري ! لم يتصرف الرجل
الذي أطاح يوما ما بمنافسه : ( نيكولا ساركوزي ) , بوصفه زعيما لدولة عظمى ذات إطار
حضاري ريادي كان يمكن أن تلعب دورا وساطيا راقيا في حلحلة الأزمة المصرية , بل تصرف بوصفه ( مقاولا ) نذلا وريثا لآلة استعمارية
خسيسة
انفجارات ملعب باريس وهول الارهاب |
, عرفنا نذالتها و خستها و تأكدنا منهما في الوطن العربي ( و خصوصا الجزائر و
مصر ) , اختار ( أولاند ) توقيتا عجيبا , وصلت فيه العلاقة بين السلطة السياسية المصرية
و شعبها إلى أسوأ المنحنيات و أكثرها تأزما , و أبصر الرجل بمساحة الجرح المتقيح بوضوح
, و فضل في الخيار الأخير _ بانتهازية يخجل منها الشيطان نفسه ! _ أن ينكأ الجرح بمثقاب
حديدي في يده مواصلا الضغوط في غير ترفق , فاعتصر من دماء الوطن المصري و جراحه الغائرة
عقودا بملياري ( يورو ) و ثلاثين اتفاقية و إعلان نوايا و مذكرة تفاهم ! و لم يهتز
الضمير الأخلاقي الفرنسي قيد شعرة لأية انتهاكات حقوقية _ بما في ذلك قضية ( ريجيني ) _ فقد كان جل همه
أن يستغل لحظة ضعف مصرية غير مسبوقة ليبتز أطراف الأزمة و يتربح من عجلاتها الطاحنة
, و تساءلت هنا بصدق : كيف سينظر هذا الرجل المسخ إلى صورته في المرآة بعد أن يعود
إلى بلاده ؟ ! و كيف سنستطيع نحن _ مع هذه النذالة الفرنسية المشهودة غير المحتملة
_ أن نحتفظ بحبنا الحالم لمسرح
( موليير ) و قصائد ( أراجون ) و
روايات ( كلود سيمون ) و رؤى ( جان بول سارتر ) و ( كلود ليفي شتراوس ) ؟! هل أراد الرجل الذي صدر للاقتصاد الفرنسي
أزمات هيكيلية تتعلق بعجز الميزان التجاري و تضخم الدين الخارجي و بطالة تجاوزت عشرة
في المائة , أن يحل أزماته من عظامنا المتبقية ؟! و كيف سيجرؤ في أي محفل أن يتفوه
بكلمة ( حريات الشعوب ) بعد الآن و بعد نذالة مماثلة باشرها في سوريا بالحديد و النار
؟! ظهرت ,
هنا , بوضوح حلقات التلاحم بين ماض
استعماري فرنسي ممعن في الخسة فضحته رسائل ( مونتانياك ) , حيث ذبح أباطرة الجيش الفرنسي
الجزائريين و تلاعبوا برؤوسهم المقطوعة عند جبال الأطلس و لم يخجلوا أن يوثقوا لهذا
الإجرام في طابع بريدي , و بين حاضر فرنسي أشد خسة عاود ممارساته السادية القديمة في
مصر و العراق و سوريا و مالي ؟! أوقن بطبيعة
الحال أن ( أولاند ) حمل في حقيبته المنتنة , ملفا سريا تآمريا يتعلق بالحالة الليبية
, أو بالنفط الليبي إن شئنا الدقة , و أن هنالك ( مسكوتا عنه ) لم يقله أحد للصحافة
, و لكنني مضطر هنا أن أدعو أصدقائي المثقفين في مصر إلى مراجعة متلازمة ( فرنسا /
الحرية ) التي تشبعنا بها يوما بصورة حالمة مراهقة غير ناضجة , و لم نفطن إلى أنه في
الوقت الذي كان فيه البرلمان الإنجليزي مثلا يقر ( مرسوم التسامح الديني ) , كانت المذابح
الدينية على الهوية , هي طابع الحالة الفرنسية
, و خصوصا في السنوات التي أسماها (
روبسبيير ) : ( إرهاب الحرية ) ! و في صدارة هذه المذابح ( مذبحة فاندي ) التي راح
ضحيتها ثلاثمائة ألف من البشر , مسخهم السلاح الفرنسي و أبادهم بفجور ؟! و تواصلت السادية
الفرنسية حديثا حين هبط أباطرتهم رأس سيدي فرج بالجزائر عام 1830 , فصدروا الموت و
الرعب لكل بيت و رسخوا قوائم حالة استعمارية فريدة قائمة على ( اعتصار الموارد ) بضراوة
! و تحولت فرنسا كما يقول المفكر الكبير الراحل ( مالك بن نبي ) ( 1905 _ 1973) _ و
عن حق _ إلى ( ممارسات إجرامية منظمة ) بدءا من عام 1945 فصاعدا ! على الحالمين الثوريين في العالم العربي , ألا يراهنوا
كثيرا على صحوة ضمير أوروبية ( فرنسية بالخصوص ) في أزمات الداخل العربي , فقد تأكد
لدينا أن هنالك مسوخا يقودون السياسات الفرنسية , و أن قصر ( الإليزيه ) قد دخله سماسرة
الموت و تجار الأنفار ! و ليبق واضحا لنا أن المنجزات الوطنية الكبرى , لا تصنعها إلا
سواعد الداخل , و أن الرهان على ( باريس ) أو منظومة السياسة الأوروبية , هو تجرع لموت
بطيء !
نقلا عن مقال الدكتور حسام عقل جريدة ( المصريون ) .
تقديرى واحترامى لكم ولمصر الحب كله
العربى السمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق