صدر العددالاول فى يناير 2010
قراءة
جديده فى قصيدة امل دنقل السويس ....
هذه
المدينة هى شرارة الثورة وطريقنا الى البقاء
عناق حقيقى بين امير شعراء الرفض .. ومدينة الموت
والفداء
الكاتب الصحفى والناقد الادبى محمد حسن مصطفى |
اصدقائى الاعزاء
تعالوا نعيش سويا مع الناقد الادبى العزيز محمد حسن مصطفى وهو يتجول بنا حول بعض اعمال احد اهم شعراء المقاومة وهو يسميه اميرهم ( امل دنقل )
جولة باسلوبه الشيق المتميز السهل فتتعلق به ولاتترك
عينيك تنتبه لغير ما يقول حتى تنتهى من المقال
وقد عشت معه هذه اللحظات وادعوكم
للتجربة
يقول الناقد الادبى محمد حسن مصطفى :
يظل امل دنقل حاضرا فى الذاكره وعلى ارض الواقع فى القصيده والكلمه
وفى ميادين التحرير وقبة الجامعه النحاس وفى قلب ميدان التحرير
امير شعراء المقاومة امل دنقل |
وتظل قصائده علامات
على الطريق وتبقى كذلك نبوءة امل تتنقل ما بين سطور قصائده فى البكاء بين يدى زرقاء
اليمامه وفى تعليق على ماحدث فى مخيم الوحدات وفى اوراق الغرفة (8) . وفى قصيدته السويس تتجلى نبوءة امل من جديد حيث
يعلن عن فراسته ورؤيته النابهه فى اوراق المدن المقاتله وكيف ان هذه المدينه هى شرارة
الثورة وهى طريقنا الى البقاء . .
قراءة - محمد حسن مصطفى
:
هى على كل حال ليست
زرقاء اليمامه ولامن كلمات سبارتاكوس الاخيره او الكعكة الحجريه التى اعتبرها الناصريون
واليسار تتويجا لنضالهم فى السبعينات ,لكنها تحمل كذلك كل سمات قصائد امل دنقل الشعريه
ونرى من خلالها الركائز الاساسيه فى شعره واحتضان حقيقى من امير شعراء الرفض والمقاومه
لمدينه مناضله وهى فى ثياب الموت والفداء وموقف واضح من (بلادة المدن الكبرى)
فى زمن
الحرب حيث كشف امل عن انتصاره للمكان ورؤيته الانسانيه والاجتماعيه لمدينه عرفها عن
قرب فى علاقه حقيقيه مشتبكه وفاعله مقدما صوره بانوراميه للسويس من خلال ذاكره فوتوغرافيه
حيه ومدهشه وهى واحده من صرخاته الاولى والمبكره فى ديوانه
البكاء بين يدى زرقاء
اليمامه
اما معشوقة امل ذاتها
فهى مدينه عبقريه وموغله فى القدم وهى عاشقه للبحر تتحرك دوما وراءه فى كل انتقالاته
حتى رست عند برزخ السويس وشهدت نضالات رموز وابطال النضال المصرى فى العصرين القديم
والحديث وزادت اهميتها بعد افتتاح قناة السويس اذ قامت فيها العديد من الصناعات الى
جانب حياة البحر والصيادين
إضافة تسمية توضيحية |
وقد توقف امل كثيرا
عند حادثة افتتاح القناة ومظاهر البذخ التى ارتبطت بها والدم المراق من ابناء الريف
والجنوب فى اعمال الحفر ..
لم يرجع
الا من اخضر له عمر بعد العمر
........ عاد ليحكى يبصق دم
والقريةتخلص من ماتم لتقيم المأتم
والارض العانس ظلت بكر.
ويوكد امل انه اراد
ان يطوى من ذاكرته اوجاع صفحة حفر القناه لما صاحبها من اعمال السخره الا ان قرار الرئيس
جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس قد اعاد له بعضا من الهيْبة المفقودة وعن اوجينى
امبراطورة فرنسا التى شاركت فى حفل افتتاح القناه يقول..
الاوبرا تغرق فى التصفيق
وافندينا يغرق فى اوجينى
والركب الملكى الظافر ..
يتنسم عبرهتاف الشعب طريقا بعد طريق .
لقد كانت السويس حاضرة
فى وعى وروح امل لاسيما بعدنكسة يونيو 1967 وكان للسويس نصيب غير مرئى فى ذاكرته فهى
المدينه التى شهدت عودة الجنود المصريين من سيناء وتلك المشاعر المتباينه والحزن الجلل الذى غطى وجه مصر والوطن العربى بعد
هذه الفاجعه ..بينما يخط هو هذا الاستهلال الموجع .....
ايتها العرافة المقدسه
جئت الك مثخنا
بالطعنات والدماء ازحف فى معاطف القتلى
وفوق الجثث المكدسه منكسر السيف
مغبر الجبين والاعضاء..
ولقد شهدت هذه الفتره كتابات العديد من الشعراء
فى الوطن العربى حتى لم يبق منهم من لم يسطر بقلمه فى دفتر الهزيمه وكتب نزار قبانى
هوامش على دفتر النكسه وتداخل شعر العامية المصريه مع شعر الفصحى والشعر الحروتسارعت الاحداث على الجبهه وفى مدن القناه التى تم تهجير اهلها الى الداخل بعد قصف عنيف من
المدفعية الاسرائيليه على المدن الآمنه فى محاولة لاثارة الرعب فى نفوس سكانها.
لاشك ان السويس كانت
حاضرة ومتداخله مع امل وفى وعيه الانسانى والنضالى وهو الذى عاش فيها لمدة عامين وذلك
قبل يونيو67 حيث عمل موظفا فى جمرك السويس وله صلات وروابط عائليه مع ابناء
قريته (القلعه ) فى الصعيد والذين يعيشون
فى السويس
الا ان الامر المثير
للدهشه انه من الصعوبة بمكان الكشف عن علاقة امل مع السويس قبل كتابة هذه القصيده
....ولو توقعنا الاجابات من المثقفين والادباء وغيرهم لربما اظهرت الاجابات انها علاقة
ملتبسه وانه عاشها مثل غيره من موظفى الحكومه الذين يتنقلون بين المدن والذين لايكترثون
ازاء اقامة علاقة صحيه وتامه مع المكان وانه عادة ماتكون علاقة باهته وسطحيه او سياحيه عى اكثر تقدير...
لقد شكلت حرائق البترول فى مصانع السويس من جراء القصف الاسرائيلى الشرارة الاولى التى
ايقظت كل هذاالغضب فى صدره تجاه العدوان الاسرائيلى والتى لاتنطفئ فيها مشاعل البترول
الدخانيه ..
عرفت هذه المدينه الدخانيه
مقهى فمقهى ..شارعا فشارعا
رايت فيها (اليشمك الأود) والبراقعا
على مقاعد المحطة الحديديه
نِمتُ على حقائبى فى الليلة الاولى
حين وجدت الفندق الليلى مأهولا
ويعاود امل مع الفجر
ترتيب علاقته بالمكان وتدارك ملامحه الاولى ومعالمه الظاهره...
وانقشع الضباب فى الفجر
فكشف البيوت والمصانعا
والسفن التى تسير فى القناة كالأوز
والصائدين العئدين فى الزوارق البخاريه .
انه الجنوبى دائم البحث
عن اهله من الجنوبيين من ابناء صعيد مصر الذين ارتحلوا الى المدن
الجديده بحثا عن العمل
والاقامه ويرصد ببصيرته الحاده عمق الواقع والمأساة
رأيت عمال السماد
يهبطون من قطار الحجر العتيق
يعتصبون بالمناديل الترابيه
يدندنون بالمواويل الحزينة الجنوبيه
.
ويشاركهم كذلك رحلة
العودة الى بيوتهم الفقيره قبيل الغروب واحلامهم الضائعة المسائيه وتقول الكاتبه سعاد العنزى فى مقال فى جريدة الرأى الكويتيه عن التناص
الدينى فى شعر امل (انه يستخدم احيانا المفردة اوالجمله اوالاية القرآنيه وان شخصيات
الانبياء والمرسلين )
.احتلت الكثير من المضمون
الشعرى لقصائد ه مثل قصتى سيدنا سليمان
ونوح عليهما السلام وأن
جاء الاستدعاء على شكل صور جزئيه وهنا يقرر لعمال السويس
البسطاء اننا لسنا
فى زمن المعجزات..
فيدخلون فى كهوف الشجن العميق وفى بحار الوهم
يصطادون اسماك سليمان الخرافيه
اما الشاعر نادى حافظ فيصف امل بأنه شاعر القصة القصيره بجدارة وانه
ينتج الحكايه
القصة /القصيده مستخدما
الوامضه السينمائيه من التقطيع والكولاج والفلاش باك..وهى الادوات الممثله فى قصيدة
السويس..
ويصل امل الى ذروة
تألقه فى الكشف المبهر عن علاقته بالسويس (الانسان والمكان )وتكرار فعل عرفت للمرة
الثانيه مستعينا بكل الاوراق الثبوتيه من صور بانوراميه متلاحقه غاية فى الاثراء والتدفق
والافعال الداله
عرفت/سكرت/جرحت/صاحبت/ابتعت/سبحت/اشتهيت
ويقول
عرفت هذه المدينه
سكرت فى حاناتها
جرحت فى مشاحناتها
صاحبت موسيقارها العجوز
فى تواشيح الغناء
رهنت فيها خاتمى
لقاء وجبة العشاء
وابتعت من (هيلانة
السجائر المهربه
وبينما هو يؤكد على
عمق علاقته بالمدينة الباسله وابناءها من المصريين والاجانب المقيمين فيها من اليونانيين
والايطاليين يقفز الى اجمل شواطئ الدنياعلى البحر الاحمروهوشاطئ (الكبانون) والذى شهد تصوير معظم افلام السينما المصرية ومنها
فيلم
اسماعيل يس الشهير ابن
حميدو .
الفنان العالمى السويسى اسماعيل ياسين |
وفى الكبانون سبحت
واشتهيت أن أموت
عند قوس البحر والسماء
لقد توقف شعراء وأدباء
السويس عند شكوى أمل من افتقاده للأصدقاء فى مدينتهم خلال اقامتة
بها وهم الذين زاملوه
فى الندوات الادبية والامسيات وكتب الاديب الكبير محمد الراوى يعتب
على امل هذة الشكوى
ويقول انه كان يزوره فىمنزله ويشاركه القراءه فى مكتبته الخاصه وعلى الرغم من ان هذا
الافتقاد كان لحظيا ونتاج لحظه اثيريه منعشه
الاان هؤلاء قد وقعوا فى الفخ الذى نصبه لهم امل حين كشف عن عمق علاقته بالسويس وموقفه النضالى والانسانى ازاء محنتها فى
ساعة القصف والضرب
(وفى سكون الليل فى طريق
بورتوفيق
بكيت حاجتى الى صديق
وكدت من اثير الشوق
ان اصير ذبذبه * وينتقل أمل الى المستوى الثانى من القصيده بعد ان قدم للمتلقى كل
هذه الصور المعرفيه عن السويس حيث اكتفى بما قدمه
عن المدينه التى احبها وتلاحم معها ..وهوالذى قسم القصيده الى جزئين (1و2).حيث
يصل السرد القصصى الى ذروة الحدث مستخدما مفردة(الآن)فى محاولة لاثارة انتباه المتلقى
الى محنة المدينه وهى فى ثياب الموت والفداء...
والآن وهى فى ثياب الموت والفداء
تحصرها النيران وهى لاتلين
اذكر مجلسى اللاهى
على مقاهى الاربعين
بين رجالها الذين
يقتسمون خبزها الدامى
وصمتها الحزين ..
ويفتح الرصاص _ فى صدورهم
طريقنا الى البقاء ..
لقد كشف أمل دنقل عن
محنة المدينة .. الباسلة مقرنآ بين الموت والفداء وحصار النيران وهى لا تلين ورجالها
الذين يواجهون الموت بصورهم العارية .. فى محاولة لايقاظ الحس الوطنى لدى الاخرين من
البعيدين عن الميدان الذين يكتفون بالاصغاء
الى انبائها وهم يمارسون حياتهم اليومية
ونحن ها هنا ..
نعض فى لجام الانتظار
ونصغى الى انبائها
ونحن نحشو فمنا ببيضة الافطار
فتسقط الايدى عن الاطباق والملاعق..
ويفصح الشاعر المقاوم
عن انبل المشاعر الانسانيه فى لحظة تعاطف جياشه وهى اهم سمات شعر المقاومه فهو شعر
نبيل فى المقام الاول يحمل شرف الفداء معلنا عن رفضه التام لموقف المتفرج او ان تبعده
هذة المدينة الكبيرعن محنة السويس...
ويختار هذه المفرده
المدويه (اسقط)ليكون مع ابنائها ليشاركهم اللحظات العصيبه بين المحنه والثبات..
اسقط من طوابق القاهره الشواهق
ابصر فى الشارع اوجه المهاجرين
اعانق الحنين فى عيونهم..والذكريات
تتوحد قصائد المقاومه
فى الشعر العربى والعالمى ويلتقى رفض امل دنقل فى
الاستمرار فى دور المتفرج مع نداءات الشاعر
الراحل محمود درويش..
ياكفر قاسم لن ننام
وفيك مقبرة وليل
امتلك امل القدره على
استلهام كل هذه المشاهد والمشاعر الانسانيه فى مدينة المقاومه ليعيد اكتشاف السويس
وكأننا نراها لاول مره ويفاجئ اقرانه واصدقائه ومتلقى شعره بهذا الحب الجارف للمكان
والارتباط الروحى والعاطفى ..
ان شعراء المقاومه عادة ما يحيلون الفعل الفردى
الى رمز جماعى حيث يلتقى الكل تحت راية الوطن وعلى هذا النحو اجاب امل عن اسئلة منتقديه
فى السويس من الذين ارادوا ان تطفوا اسماؤهم على سطح القصيده...لقد احب المدينةكلها
واحتضن جراحها وحده
.الناقد الادبى محمد حسن مصطفى :
له دراسة منشورة عن شعر المقاومة فى السويس
عمل فى الصحافه الكويتيه لسنوات عده
كتب المقال السياسى والادبى فى العديد من الصحف المصريه والعربيه
عمل مراسلا للمصرى اليوم وعدد من الصحف من السويس..
اصدقائى الاعزاء عشنا هذه اللحظات مع نقد ادبى وسرد جميل مع المبدع محمد حسن مصطفى ان شاء الله يكون عجبكم
لكم منى كل التحية ولمصر الحب كله
عربى السمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق