صدر العدد الاول فى يناير 2010
الكلمة مسئولية لا يقدر
عليها إلا امينها والقادر حمايتها
عندما يرقص القلم مع الذئاب!
الكاتب والاديب نصار ابراهيم |
بقلم: نصار إبراهيم
(لمن يهمهم الأمر...!"هنا الوردة، فلترقص
هنا!... هنا الصخرة فلتقفز!").
لو...لو أن قلمي حصان "موستانغ" بري! ليندفع
بجموح وهو يدق الأرض بسنابكه ويمضي في
البراري حيث يشاء... يكتب كما يشاء، دون قيود ومحددات أيا كان نوعها سوى الحقيقة
الحرة وما تقول الروح...
ولكن ماذا أفعل ونحن نحاول المرور والرقص بين الكلمات...
نراوغ كي نقول وكي نكتب... نضع اللجام بين أسنان القلم ونكبح جماحه، نشده بكل
مهارات الترويض التي تعلمناها حتى لا يتجاوز الخطوط الحمراء... في السياسة والأدب
وكل شئ، فيما هو يصهل ويضرب الأرض محاولا الفكاك ليعلن إرادته ويبوح... ولكن
هيهات... فمع الزمن نسوس القلم حتى يُسلس القياد ... فيتكيف مع قيودنا، وكأي حيوان
يلجأ للمناورة والتمويه فيغير لون حبره حفظا للبقاء... يترك المساحات المضيئة
ويستأنس للظلال واللغة الملتبسة... هكذا يتعلم فن التكيف والبقاء ولكن ضمن سقوف
أين منها ومضة الحرية الساطعة...! أين منها روح حصان الموستانغ البري وهو يجوب
السهول والبر الفسيح، حيث لم يعرف يوما لجاما ولم يمتطه أحد...!.
ما يجري للقلم هو عملية تجريد من روح الموستانغ تلك، ومن
ثم تحويله لحصان سيرك أو سباق مزركش بالسرج واللجام والألوان وخلف كل ذلك السوط...
نصفق له إعجابا وهو يعيد تكرار الحركات
البهلوانية التي نعلمه إياها ببلاهة،حركات تفقده معنى أن يكون حصانا
حرا..... فيما إعجابنا في الحقيقة ليس بالحصان ومرونته واستجاباته، بل بمدى
براعتنا في ترويضه وجعله يتصرف كما نريد، أي بانتزاع روحه المتمردة... إنه بصورة
ما ذات التحول الذي مرت به نمور زكريا
تامر في قصة "النمور في اليوم العاشر"...
ولكن في غمرة عملية الترويض تلك، وعبر صيرورة التطويع
والقهر المتواصلة يتخلى القلم عن الوضوح الساطع... ومع الزمن تتراكم خبرته
وخبراتنا في فن التكيف حتى بتنا نتوهم بأن ما نقوم به أو نقوله أو نكتبه هو خيارنا
الحر، هو الأصل... مع أنه، في الواقع، الابن المسيج بالغموض لعملية الالتباس في
سلوكنا وممارساتنا وبالتالي لغتنا وكتاباتنا...
إننا ملتبسون في السياسة والعواطف واللغة والشعر والرسم
وحتى في فن الطبخ... هذا هو الأصل في تطور علم الدلالات، لقد تطور هذا
"الفن" بسبب الخوف من التعبير عن ذاتنا بما هو أصيل فنستحضر الوكيل ...
نستنجد بالرمز والإيحاء ونصور ذلك على أنه ارتقاء في الإبداع.... إنها مهمة تشبه
الرقص مع الذئاب...عليك أن ترقص وفي ذات اللحظة عليك أن تكون حذرا بحيث لا تصدر
عنك أي كلمة أو حركة أو أيحاء يستثير عندها غريزة الافتراس!.
وهكذا لكي نفهم... نذهب للبحث عن احتمالات الكلمة فندفع بها
إلى "غرفة التحقيق" ونمارس عليها مختلف أنواع الاستجواب من غواية وعنف
كي تعترف لنا بما هي عليه أو بما نريده منها... غير أن المعضلة هنا تكمن في أن
اللغة والقلم قد تعلما بدورهما أصول اللعبة تماما، فبدآ يمارسانها معنا وعلينا...
لقد تعلما "العنف" وبرعا فيه،
فإذا بنا من حيث لا ندري نجلس أيضا على كرسي التحقيق حيث تمارس علينا اللغة
عنفها وهي تبتسم رافعة قدميها في وجوهنا سخرية... هذا بالضبط بعض ما عناه جان جاك
لوسركل في كتابه "عنف اللغة".
ولكن وفي كل الأحوال... يبقى هناك ثابت حاسم لا يقبل
العبث... وهو أن أي كتابة تسيئ أو تضر
بالناس وبالإنسان أو بمن حولنا سواء على المستوى الأدبي أو المعنوي أو الاجتماعي،
هي كتابة هابطة... لا روح لها وفيها...ولا جدوى منها... فوظيفة الكتابة أن تصعد بجماليات
الروح والذوق الجمالي والارتقاء بالوعي الفردي والجمعي... وليس إغراق من حولها في بحر من الدموع والفوضى... حينها
وبدلا من أن يكون الكاتب أو المبدع مانحا للأمل والبهجة وصانعا للمطر، يصبح مجرد
متسلل يسرق الفرح.... ولهذا على الكاتب أن يحمي كتابته ومستواها الراقي وخافياتها
كما يحمي حدقة العيون... هذا بالنسبة لي قيمة أخلاقية ومبدأ ناظم يعادل الروح...
بهذا المعنى بالضبط يصبح لمقولة "الكلمة مسؤولية" معنى!. وهذه بمثابة منصة انطلاق لكي يحلق كل مبدع مع
أحلامه نحو المطلق ليعطي أروع ما لديه. هل هذا واضح!؟
في ضوء كل هذا أقول: ... كم أتمنى لو أطلق لقلمي
العنان... فيجوب البراري ويملؤها غبارا وضجيجا وصهيلا... ولكن على ما يبدو أن ذلك
لم يعد مرهونا برغبة خاصة أو فردية... إنه باختصار بحاجة لثورة على مستويات عديدة!
وحتى ذلك الحين سأواصل الرقص بين الكلمات...
وسأدفع بها نحو أقصى الحدود الممكنة، سأحاول أن أشعل بحروفها نارا قد تضئ
الأفق وتبث بعضا من دفء قد يصل...دون أن يسئ!
. هل فهمتم شيئا!؟ إذن أعيدوا استجواب النص وسيقول لكم!
*** لمبه سهارى
( واقول لاصدقائى وقدوردت كلمة موستانغ فى مقاله وهى تعنى حصان امريكى )
تمنياتى لكم بالخير والسعادة ولمصر الحب كله
عربى السمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق